الوصف المعماري

[مصدر الصورة: © 1976 جان-كلود دافيد]

المخطط المعماري

أعاق النسيج الحضري الكثيف وجود مدخل مركزي للجامع كما هي العادة في الجوامع العثمانية الكبيرة في المدينة. وبدلاً من ذلك يتم الوصول إلى صحن الجامع بواسطة مدخلين من الشرق والغرب عبر ممرات طويلة مع درجات صاعدة. (الشكل 5، 6، 7، 8)
يتسم صحن الجامع بمخطط غير منتظم بشكل شبه منحرف تقريباً، وذلك بسبب محاذاة أضلاعه للمباني المحيطة وتوجيه الجامع بشكل مبالغ به نحو الجنوب الغربي بشكل مخالف لاتجاه القبلة في المدينة. يمكن ملاحظة الانتظام الوحيد من خلال توضع حوض الوضوء (الشادروان)، بشكل محوري مع رواق قاعة الصلاة ومدخلها. يتميز حوض الوضوء بتصميم عثماني يعتبر الأول من نوعه في حلب حيث يعلو الحوض المستدير قبة خشبية تستند على ستة أعمدة. (الشكل 9) توجد خلف الجامع حديقة صغيرة تضم عدداً من القبور.
الشكل 9: منظر عام لحوض الوضوء (الشادروان) [مصدر الصورة: © 2010 رامي الأفندي]
قاعة الصلاة (القبلية) ذات مسقط مربع تسقفها قبة مركزية نصف كروية ويتقدمها رواق مزدوج. (الشكل 10) تشبه القبة إلى حد كبير قبة جامع خسرو باشا المجاور (الخسروية)؛ حيث تستند على رقبة دائرية تحوي ست عشرة نافذة صغيرة وتدعمها أكتاف حجرية ودعامات طائرة مغطاة جميعها بألواح الرصاص. (الشكل11، 12) يتألف الرواق الداخلي الذي يتقدم قاعة الصلاة من خمسة مجازات تغطيها قباب صغيرة بينما يتألف الرواق الخارجي من أحد عشر مجازاً يغطيها سقف مسطح. (الشكل 13، 14) يلتف الرواق الخارجي حول الرواق الداخلي ويطل على المقبرة الخلفية من خلال فتحتين مقوّستين كبيرتين. تم تلطيف المظهر الصارم لواجهة الرواق الخارجي المبنية من الأحجار المنحوتة من خلال إضافة فتحات دائرية كبيرة ضمن المساحات بين الأقواس واستعمال الحجارة المتعددة الألوان لبناء الأقواس (نظام الأبلق) واعتماد المقرنصات المنمنمة في تزيين تيجان الأعمدة. (الشكل 15، 16، 17، 18) تقع المئذنة ذات النسب الرشيقة والتصميم العثماني في الزاوية الشمالية الغربية من الجامع وهي منفصلة انشائياً عن قاعة الصلاة. (الشكل 19)
الشكل 11: القبة فوق قاعة الصلاة مع دعاماتها المدمجة والطائرة [مصدر الصورة: © 2007 لمياء الجاسر]
تتسم واجهة قاعة الصلاة بتصميم متناظر، حيث توجد البوابة في منتصف الواجهة تحف بها نافذتان ومحراب صغير ومصطبة مرتفعة للصلاة من كل جانب. تمزج البوابة بين التصميم العثماني وتقاليد البناء المحلية في تركيبة غنيّة تجعلها واحدة من أجمل الأمثلة في حلب. حيث يظهر التأثير العثماني من خلال الخطوط العامة لتصميمها: مدخل يقع ضمن فجوة عميقة تعلوها طاسة مقرنصة وتحيط به كوّتان جانبيتان صغيرتان وأعمدة تزيينية ملتحمة بالجدار. (الشكل 20، 21) بينما يظهر التأثير المحلي من خلال تقنية البناء والأسلوب الزخرفي المتبع، حيث بنيت البوابة بالكامل باستخدام أحجار متعددة الألوان (نظام الأبلق) وتتميز طاستها المقرنصة بشكل كروي مملوكي يختلف عن نظيره العثماني الذي يتميز بشكله الهرمي المتدرج. كما تمت زخرفة البوابة بعناصر معمارية محلية مثل الطاسات المغطاة بالمقرنصات المنمنة فوق الكوى الجانبية والرنوك الدائرية والأعمدة المدمجة ذات التيجان المقرنصة والأبدان المغطاة بالنقوش النباتية. (الشكل 22، 23) تحيط بنوافذ قاعة الصلاة إطارات مستطيلة وتغطي المساحات الواقعة بين نجفاتها والأقواس التي تعلوها بلاطات من القاشاني الملون. (الشكل 24) زينت هذه البلاطات بزخارف نباتية ذات ألوان حمراء وزرقاء وفيروزية على خلفية بيضاء اللون ويوجد في وسطها إطارات مستطيلة تحتوي على نقوش كتابية باللون الأبيض على خلفية زرقاء داكنة. (الشكل 25) لا يوجد دليل حتى الآن يثبت تصنيع البلاط القاشاني في حلب، على الأقل خلال القرن السادس عشر، لذا يمكن الافتراض أن هذه البلاطات قد صنعت في مكان آخر ونقلت إلى حلب. وقد اتفق الباحثون على أنها قد استوردت من مدينة "إزنيك" في الغالب بسبب تصميمها الأرابيسك ذي أوراق القصب الكثيفة واستعمال اللون الأحمر الداكن ضمن تدرجاتها اللونية. [13].

 

في داخل قاعة الصلاة، تستند القبة المركزية على ثمانية أقواس مدببة. كما استعملت أربع حنيات ركنية كعناصر انتقالية في الزوايا مدعّمة بأطناف كبيرة مغطاة بصفوف المقرنصات. (الشكل 26، 27) تتم إضاءة القاعة بشكل أساسي عبر عشر نوافذ سفلية كبيرة تعلوها بلاطات من القاشاني الملون مماثلة لتلك الموجودة في الواجهة الشمالية الخارجية للقاعة. (الشكل 28) تتوضع هذه النوافذ ضمن أواوين عميقة زودت الجانبية منها بمحاريب صغيرة. بالإضافة إلى النوافذ السفلية هناك ثلاث نوافذ علوية صغيرة ومقوّسة، واحدة في كل جدار، وثماني نوافذ صغيرة مستديرة، اثنتان في كل حنية ركنية. في الجدار الشمالي وبدلاً من النافذة العلوية المقوسة، توجد شرفة ذات درابزين بارز فوق المدخل. (الشكل 29) كما تحتوي قاعة الصلاة على العناصر المعتادة في الجوامع كالمحراب والمنبر والسدة، والتي تدمج جميعها بين التقاليد العثمانية والمواد والتقنيات المحلية وتتميز بشكل خاص بزخارفها المنفذة بالرخام والحجر المتعدد الألوان. (الشكل 30، 31)
الشكل 26: منظر عام لقاعة الصلاة من الداخل [مصدر الصورة: © 2010 لمياء الجاسر]

التعديلات الوظيفية والمادية

لم يشهد الجامع تدخلات واسعة النطاق بل احتفظ بالعديد من معالمه الأصلية حتى بداية النزاع المسلح الأخير في المدينة (2012-2016م). تعود أقدم التدخلات التي يمكن تأريخها إلى منتصف القرن الثامن عشر وفقاً للنقش الكتابي العثماني الموجود على الجدار الجنوبي من الإيوان الجنوبي الغربي داخل قاعة الصلاة. (الشكل 32) حيث يشير النقش إلى أعمال ترميم وإصلاح في الجامع جرت بين عامي 1747 و 1748م. [14] وفي بداية القرن العشرين قام متولي الوقف بالعديد من أعمال الترميم التي ربما كانت ضرورية بعد زلزال حلب الكبير في عام 1882م. حيث يذكر الطباخ في كتابه أن المتولي قام باقتطاع جزء من حديقة الجامع الخلفية لبناء خان العادلي في عام 1919م. وفي عام 1929م تم استبدال السقف الخشبي للرواق الخارجي للجامع بسقف جديد مدعوم بجوائز حديدية وأضيفت إلى الغرب منه أحواض للوضوء. [15] ثم تم بناء قاعة إضافية للصلاة (الحجازيّة) في الجانب الغربي من الصحن في عام 1960م. [16] (الشكل 33) وكانت آخر التدخلات هي أعمال الصيانة التي نفذتها المديرية العامة للأوقاف الإسلامية في السبعينيات والتي تضمنت إعادة بناء سقف الرواق الخارجي باستخدام الخرسانة المسلحة. [17]
الشكل 32: النقش الكتابي داخل قاعة الصلاة الذي يؤرخ أعمال ترميم الجامع [مصدر الصورة: © 1982 ميشائيل ماينيكة]
الشكل 33: القسم الغربي من صحن الجامع وتظهر فيه الفراغات التي أضيفت خلال القرن العشرين [مصدر الصورة: © 2010 رامي الأفندي]

الحواشي

[13] نجيب أوغلو، عصر سنان، 477 و ميلنر، تباليط دمشق 180. لقد نوهت نجيب أوغلو أن بلاطات مشابهة لبلاطات جامع العادلية قد استعملت في جامع بهرام باشا في ديار بكر(1565-1573م) وهي تحوي أيضاً اللون الأحمر الداكن ضمن تدرجاتها اللونية وأشارت إلى أن بلاطات العادلية ذات جودة أعلى. ووفقاً لما ذكره ميلنر، فإن تصميم بلاطات العادلية يشبه بعض البلاطات المستخدمة في مدفن حريم سلطان (1559م) وجامع رستم باشا (1561م) في إسطنبول.

[14] للاطلاع على النص العثماني الكامل للنقش الكتابي وترجمته العربية، انظر: عثمان، دراسات نقائش، 58.

[15] الطباخ ، إعلام النبلاء، 3: 170.

[16]عثمان، الهندسة الإنشائية، 267.

[17] عثمان، الهندسة الإنشائية، 267.