الوصف المعماري

[مصدر الصورة: © 2017 رامي الأفندي]

المخطط المعماري

يعتبر خان الوزير واحداً من أكبر وأهم الخانات في مدينة حلب القديمة. فتنوع فراغاته المعمارية وثراء زخارفه وبقاء العديد من معالم تصميمه الأصلية دون تغييرات كبيرة يعطي فكرة واضحة عن تطور العمارة التجارية في حلب خلال الفترة العثمانية عندما كانت حلب ثالثة أكبر المدن في الدولة بعد اسطنبول والقاهرة من حيث عدد السكان والنمو الاقتصادي والحضري.

يتوافق تصميم مخطط خان الوزير وواجهاته مع تقاليد بناء الخانات المحلّية التي ترسّخت عبر أبنية الخانات المملوكية في المنطقة التجارية المركزية منذ أواخر القرن الخامس عشر والخانات العثمانية في القرن السادس عشر. قبل البدء بالوصف المعماري للخان، تجدر الإشارة إلى أن وقفية الخان لم تكن مفيدة فقط للتأكد من هوية مؤسس الوقف وتاريخ بناء الخان وإنما لمعرفة وظائف الفراغات المعمارية المختلفة من خلال الوصف الذي احتوته عن البناء.

البداية مع مخطط الخان، فهو عبارة عن بناء يتألف من طابقين ويغطي مساحة تقريبية تبلغ 4100 متر مربع، وتتوزع فراغاته حول فناء داخلي مركزي. (الشكل 6) ويتميز الفناء الداخلي بكونه ذي مخطط غير منتظم قريب من شبه المنحرف عوضاً عن المخطط المعتاد المربع أو المستطيل بسبب عدم انتظام رقعة البناء. يقع مدخل الخان في منتصف الضلع الغربي ويؤدي إلى دهليز تنفتح عليه أربعة دكاكين وغرفتان صغيرتان للحراسة. (الشكل 7) تتوزع الغرف في الطابق الأرضي على طول الجوانب الأربعة للخان وتطل على الفناء بشكل مباشر دون رواق متقدم. (الشكل 8) لذا فالغرف عميقة وتتكون من قسمين؛ يخصص القسم الداخلي لأغراض التخزين بينما القسم الخارجي، والذي يتضمن موقداً للتدفئة، فهو مخصص للسكن أو الأنشطة التجارية. يعد غياب الرواق المتقدم في الطابق الأرضي إحدى المعالجات التصميمية التي ظهرت في خانات حلب في القرن السابع عشر واستمرت في الفترات اللاحقة، كما في خان العبسي وخان الحاج موسى، ويرجع كلاهما إلى منتصف القرن الثامن عشر. وربما كان السبب وراء ذلك يتعلق بالحاجة المتزايدة لمساحات التخزين بسبب تغير دور حلب من "الوسيط" في تجارة القوافل إلى مركز للمواد الخام والسلع المنتجة محليّاً بدءًا من النصف الثاني من القرن السابع عشر. [9] لذلك، يمكن اعتبار هذه المعالجة المعمارية نوعاً من التصميم المتكيف وظيفياً. إن عدم وجود الأروقة اقتضى خلق دهاليز صغيرة لتأمين الوصول إلى الغرف الواقعة عند زوايا الخان. يوجد في الجناح الشرقي للخان ممر عريض يؤدي إلى الإسطبل الذي يمتد خلف الغرف. (الشكل 9) وبدلاً من المسجد، كما هو متعارف عليه في عدد من خانات المدينة الكبيرة، يقع حوض ماء مسقوف بقبّة في وسط الفناء المركزي، إلى الشمال قليلاً من محور المدخل. [10] (الشكل 10)

الشكل 7: دهليز مدخل الخان [مصدر الصورة: © 2012 علاء الدين حداد]
الشكل 8: منظر عام للواجهة الشرقية للفناء [مصدر الصورة: © 2010 رامي الأفندي]
الشكل 9: منظر عام للزاوية الجنوبية الشرقية للفناء تظهر مدخل الإصطبل والدرج المؤدي إلى الطابق العلوي [مصدر الصورة: © 2010 رامي الأفندي]
الشكل 10: منظر عام لحوض الماء ذي القبة في منتصف الفناء [مصدر الصورة: © 2010 رامي الأفندي]

يمكن الوصول إلى الطابق الأول عبر ثلاثة أدراج، يقع اثنان منهما على جانبي دهليز المدخل (الشكل 11) والثالث في منتصف الجناح الشرقي المواجه لمدخل الخان. (الشكل 12) تتوزع غرف الطابق الأول خلف أروقة تمتد على طول الأضلاع الشمالية والجنوبية والشرقية للخان. وقد تم انشاء هذه الأروقة باستخدام نظامين مختلفين. فالأروقة العريضة سقفت بسلسلة من الأقبية المتقاطعة التي تستند على دعامات حجرية مستطيلة المقطع (الأشكال 13-14)، بينما سقفت الأروقة الضيقة ببلاطات حجرية مستوية تستند على أقواس عثمانية متعددة المراكز وأعمدة ذات أبدان متعددة الأضلاع وتيجان مقرنصة. (الأشكال 15- 16) لا يوجد رواق متقدم في الجناح الغربي الذي يتألف من صفين من الغرف يمكن الوصول إليها عبر ممر مركزي. (الأشكال 17- 18) يتقاطع هذا الممر مع قاعة كبيرة تقع فوق دهليز المدخل. تتميز هذه القاعة بمخطط متصالب الشكل يتألف من فراغ مركزي مربع مسقوف بقبة وأربع أواوين صغيرة تحيط به. (الشكل 19) ظهر هذا الطراز من القاعات في بعض الخانات التي بنيت خلال القرن السادس عشر في حلب مثل خان الجمرك (1574) وخان الحبال (1594). تتمتع هذه القاعات بموقع استراتيجي ضمن الخانات حيث تؤمن الاشراف على الشوارع المحيطة والأفنية الداخلية للخانات في نفس الوقت. ورغم أنه لا يمكن التأكد من الوظيفة الأصلية لهذه القاعات إلا أنه من المرجح أنها استعملت لاستقبال متوليي الأوقاف أو زائري الخانات المرموقين. حلل الباحث دافيد تصميم القاعة الموجودة فوق مدخل خان الجمرك وشبهها بالقاعات الموجودة في عمارة المساكن المحلية والتي كانت عبارة عن غرف استقبال كبيرة في منازل الأثرياء. [11] أخيراً يحتوي الطابق العلوي أيضاً على قيسارية تتألف من ممر مركزي تنفتح عليه الغرف في صفين متوازيين وتقع فوق الاسطبل الموجود في الجناح الشرقي من الخان.

بالإنتقال إلى الواجهات، نلاحظ أن مدخل الخان يتميز عن بقية أقسامه بواجهتين مزخرفتين بسخاء؛ الخارجية منهما تطل على الشارع والداخلية على الفناء المركزي مما ينم عن أهمية البناء ومكانة صاحبه. بشكل مشابه لمخطط الخان، فإن واجهتي مدخله تعيدان إحياء التقاليد المتبعة في عمارة الأبنية التجارية المملوكية في حلب من حيث التكوين المعماري وتقنية البناء والعناصر الزخرفية. ولكن عوضاً عن تكرار التفاصيل المملوكية بحذافيرها فإن تصميم الواجهتين يتبع النسخة العثمانية المعدلة من هذه التفاصيل. بشكل خاص، تشبه هاتان الواجهتان بشكل لافت واجهتي مدخل خان الجمرك (1574). [12] (الشكل 20)

تتميز واجهة المدخل الخارجي بعلو زائد نسبياً عن بقية جدار الخان. (الشكل 21) تم بناء باب الخان مع نافذتين علويتين بمداميك متناوبة من الأحجار المتعددة الألوان (نظام الأبلق) وإحاطة المداميك بشريط زخرفي عريض تزينه أشكال هندسية محفورة. (الأشكال 22-23) بين النافذتين، هناك لوحة فارغة من الرخام ربما كانت مخصصة لنقش كتابي لم يتم. (الشكل 24) في القسم العلوي للواجهة وتحت إفريز السطح مباشرةً، توجد نافذتان صغيرتان وكوّة على شكل نجمة تتوضع ضمن إطار على شكل قوس نصف دائري تغطيه النقوش الزخرفية الدقيقة. (الشكل 25) ثلاثة رنوك مستديرة تزين الواجهة؛ الرنك الأول تغطيه زخارف نباتية ويقع فوق اللوحة الرخامية أما الرنكان الباقيان فيحويان نقوشاً ذات اشكال حيوانية ويقعان على جانبي باب الخان. (الشكل 26) في تحليلها لواجهتي مدخل خان الوزير ضمن سياق العمارة العثمانية في حلب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، قامت واتنبوغ بشكل خاص بمناقشة الرنوك ذات النقوش الحيوانية وأوضحت الكيفية التي تم بها إخراج هذه الرنوك من سياقها الوظيفي العسكري وإعادة دمجها في وظيفة وسياق معماري جديد كـ "اقتباس مرئي من التاريخ المعماري للمدينة". [13] فيما عدا واجهة المدخل الفخمة، تتسم الواجهات الخارجية للخان بقلة الفتحات وخلوها من الزخارف حيث تستمر على طول الأضلاع الثلاثة للبناء تتخللها فقط نوافذ مستطيلة ضيقة وصف علوي من مزاريب المياه. (الأشكال 27-28) إلى الشمال من مدخل الخان، يوجد سبيل الماء المذكور في نص الوقفية وهو متعطل عن العمل. يتوضع السبيل ضمن كوّة مزدوجة تعلوها أقواس منحوتة بدقة ويحفها من طرفيها رنكان زخرفيان. (الشكل 3)

الشكل 20: الواجهة الخارجية لمدخل خان الجمرك [مصدر الصورة: © 2011 ربى قاسمو]

تضاهي الواجهة الداخلية لمدخل الخان تلك الخارجية بغنى تصميمها وفخامة زخارفها. (الأشكال 29-30) فقد تمت إحاطة الواجهة بشريط تزييني من الزخارف الهندسية ينتهي بعمودين نحيلين ومضفورين على جانبي الباب. يوجد فوق الباب قسمان مستطيلان غائران، يشبهان إلى حد كبير القسمين الموجودين في الواجهة الداخلية لخان الجمرك. (الأشكال 31-32) يحتوي كل منهما على نافذة مستطيلة سفلية مبنية بمداميك الأحجار المتعددة الألوان ونافذة صغيرة علوية ذات قوس عثماني متعدد المراكز (الشكل 33)، كما تزينهما المزررات والأعمدة المضفورة وشرائط المقرنصات. (الشكل 34) توجد في الوسط بين القسمين الغائرين كوة صغيرة مستديرة تتوضع ضمن إطارات منقوشة كلوحة الشطرنج كما توجد أيضاً في الزاويتين العلويتين للواجهة نافذتان صغيرتان داخل إطارات عريضة تغطيها الزخارف الهندسية المنحوتة. (الأشكال 35-36) بالإضافة إلى واجهة المدخل، فقد تم إغناء الفراغ الداخلي للخان من خلال الزخارف النباتية والهندسية المنحوتة فوق نوافذ وأبواب الغرف، (الأشكال 37-38) والأنماط المتنوعة لأقواس الأروقة العلوية وأعمدتها ذات التيجان المقرنصة.

الشكل 29: منظر عام لواجهة الفناء لمدخل خان الوزير [مصدر الصورة: © 2010 رامي الأفندي]
الشكل 30: منظر عام لواجهة الفناء لمدخل خان الوزير [مصدر الصورة: © 1907 متحف الفن الإسلامي - برلين]
الشكل 31: منظر عام لواجهة الفناء لمدخل خان الجمرك [مصدر الصورة: © 2010 ربى قاسمو]
الشكل 32: المساحات المتراجعة في واجهة الفناء لمدخل خان الجمرك [مصدر الصورة: © 2003 جان-كلود دافيد]
الشكل 33: واجهة الفناء لمدخل خان الوزير، تفاصيل [مصدر الصورة: © 2010 رامي الأفندي]
الشكل 34: واجهة الفناء لمدخل خان الوزير، تفاصيل [مصدر الصورة: © 2003 جان-كلود دافيد]
الشكل 35: واجهة الفناء لمدخل خان الوزير، تفاصيل [مصدر الصورة: © 2001 جان-كلود دافيد]
الشكل 36: واجهة الفناء لمدخل خان الوزير، تفاصيل [مصدر الصورة: © فولكمار إندرلاين (متحف الفن الإسلامي - برلين)]
الشكل 37: زخرفة منحوتة فوق الفتحات المطلّة على الفناء [مصدر الصورة: © 2010 ربى قاسمو]
الشكل 38: زخرفة منحوتة فوق الفتحات المطلّة على الفناء [مصدر الصورة: © 2010 ربى قاسمو]

التعديلات الوظيفية والمعمارية

تتوفر لدينا معلومات قليلة جداً حول تاريخ خان الوزير أو وظائفه ماعدا أنه منح حقاً حصرياً لاستضافة تجار الحرير من بغداد والبصرة والدولة الصفوية. [14] إن عدم استخدام خان الوزير كمكان سكن دائم للقنصليات أو التجار الأوروبيين ساهم إلى حد كبير في الحفاظ على تصميمه وزخارفه الأصلية على عكس غالبية الخانات الرئيسية الواقعة في المنطقة التجارية المركزية والتي شهدت تدخلات معمارية ووظيفية واسعة النطاق. فحتى بدايات القرن العشرين يبدو أن التغيير الكبير الوحيد كان بناء كتلة من طابقين متاخمة للضلع الشمالي لحوض الماء المسقوف في وسط الفناء الداخلي للخان. يعود تاريخ هذا البناء إلى عام 1913 وفقا للنقش الكتابي الموجود فوق أحد أبوابه. (الشكل 39)

تم ترميم الخان خلال فترة الانتداب الفرنسي. وقد تركزت أعمال التدعيم التي أشرف عليها المهندس المعماري الفرنسي إيكوشار في الأجزاء الشمالية الغربية والشمالية الشرقية من الخان. [15] (الأشكال 40- 43) في سنوات الخمسينيات، تم هدم القسم الشرقي من الجناح الشمالي للخان لفتح شارع خان الوزير الذي يربط محيط القلعة بالجامع الأموي الكبير. وأعيد بناء هذا القسم في منتصف الثمانينيات. تميز القسم المعاد بناؤه بتصميم يتلاءم مع المخطط العام للخان وبالتالي حافظ على وحدته المعمارية والفراغية. تم فتح مدخل ثانوي في الركن الشمالي الشرقي من القسم الجديد. (الشكل 6)

الحواشي

[9] لمزيد من المعلومات حول الدور التجاري المتغير لحلب خلال القرن السابع عشر، انظر ماسترز، حلب: مدينة القوافل في الدولة العثمانية، 29-40.

[10] افترض عدد من الباحثين خطأ هذا الحوض مسجداً صغيراً وبالتالي فهو على الأرجح المبنى الخيري المستفيد من إيرادات الخان. لكن نص الوقفية يشير بوضوح إلى هذا الحوض الذي كان يزود بالمياه بحق شرعي من قناة المدينة. تشير الوقفية أيضاً إلى عدة آبار في فناء الخان المركزي وجميعها مندثرة اليوم.

[11] دافيد، قنصلية فرنسا، 20

[12] للاطلاع على تحليل أكثر تفصيلاً لهذه الواجهات وتشابهها مع واجهات الخانات المملوكية وخانات القرن السادس عشر العثمانية في المدينة، انظر واتنبوغ، صورة مدينة عثمانية، 192-194.

[13] واتنبوغ، صورة مدينة عثمانية، 203. لقد ناقشت واتنبوغ في تحليلها لواجهات مدخل خان الوزير الأمثلة المعمارية السابقة في حلب وخارجها والتي يمكن أن تكون مرجعا لاستعمال نقوش الحيوانات. وقد سلطت الضوء بشكل خاص على أوجه التشابه بين هذه النقوش وتلك المستخدمة في عمارة الفترة العثمانية في جبل لبنان واحتمالية وجود تبادل للحجّارين بين الموقعين. أما في حلب، فقد أشارت إلى استخدام نقوش الحيوانات في المنشآت العسكرية والدفاعية كتقليد قديم يعود إلى الفترة الحمدانية. للاطلاع على التحليل التفصيلي، انظر الصفحات 197-209.

[14] واتنبوغ، صورة مدينة عثمانية، 190

[15] لمزيد من المعلومات حول أعمال التدعيم راجع أرشيف ميشيل إيكوشار المتوفر على الإنترنت عبر موقع www.archnet.org.