الأهمية التاريخية والمعمارية

[مصدر الصورة: © 1978 ميشائيل ماينيكة]
عند المقارنة مع الجوامع التي شيدت في القاهرة في عهد السلطان الناصر محمد،[1] نجد أن جامع التونبغا الناصري متواضع في حجمه وزخرفته. إن تزييناته متجذرة بعمق في التقاليد المحلية، وقد أصبح مولِّداً لمساجد المماليك اللاحقة في حلب. وهكذا فإن السقف المقرنص المنتهي بقبة مضلعة مؤلفة من اثني عشر مقطعاً أمام المحراب، يجد سابقاته في قبوة قاعة الصلاة في المدرسة الشرفية في حلب، المتوجة بقبة مضلعة مؤلفة من ستة عشر مقطعاً والتي تعود لعام 658/ 1260.[2]رغم تواضع جامع التونبغا، فهنالك أوجه تشابه بينه وبين جامع الناصر محمد في القلعة في القاهرة. وتتمثل أوجه التشابه المعاصرة في البوابة الشمالية الغربية لجامع الناصر محمد والتي يرجع تاريخها إلى عام 728/ 1318.[3]
إن الشرائط المضفورة المتشابكة على قوس الوجه الخارجي للبوابة تعيد للأذهان الرواد الأيوبيين المحليين، ومثل تلك الزخارف تزين محراب المدرسة السلطانية في حلب، المؤرخ في عام 620/ 1223.[4]
يشير هرتزفيلد إلى أن الزخرفة السابقة للمحراب الموثقة بصوره، تذكّر أيضاً بطريقة مبسطة بمحراب المدرسة السلطانية، والتي تُظهر أروقة ضيقة متراجعة في التجويف وأعمدة بتيجان كورنثية في الزوايا. ومع ذلك، لم يتم استخدام الرخام المتعدد الألوان في المحراب المملوكي. علاوة على ذلك، يقارن هرتزفيلد هذا المحراب بمحراب المدرسة الظاهرية[5] المؤرخ في عام 610-14/ 1213 [6]، والذي يظهر أيضاً الأروقة المتراجعة في التجويف الأضخم حجماً، وكذلك الأعمدة ذات التيجان الكورنثية في الزوايا. من الصعب في الوقت الحاضر استعادة هذه السمات لأن المحراب قد أعيد بناؤه.
تشير زخرفة المئذنة المتمثلة بإطار من نجفات وعوارض متناوبة حول نوافذها العلوية إلى أمثلة لما قبل المماليك.[7] ومع ذلك، فهي معاصرة تقريباً لمئذنة الدبّاغة العتيقة (حوالي 1300)[8]، حيث يمكن العثور أيضًا على إطار مزيّن بشكل مماثل حول النوافذ.[9]يؤكد ماينيكة أن سقف هذا الجامع مقبب بالكامل، وهذه ميزة تم تنفيذها بالفعل في الجامع الكبير بحلب عام 684/ 1285.[10] ويسلط ماينيكة الضوء على جامع التونبغا كمثال على مجموعة لاحقة من مساجد الرواق بجناحين من القبلة مقببين بالكامل مع قبة إضافية تمتد على الفسحة  أمام المحراب، بدءاً من جامع منكلي بغا الشمسي ( 764/ 1362-63).[11]
على أية حال، يشير ماينيكه إلى أن هذا السقف المعقود كان سمة مميزة للمساجد الحلبية، وبرأيه أنها ميزة قد تم تصديرها إلى أجزاء أخرى من الولاية السورية في العصر المملوكي من قبل الحرفيين المتجولين.[12]
فيما يتعلق بالتصميم غير المعتاد حتى ذلك الوقت للمئذنة المثمنة الشكل، ينظر ماينيكة إلى ما وراء حلب ويتتبعها إلى المئذنة الحجرية المثمنة للجامع الكبير في أورفا / الرها (قبل 587 / 1191-92).[13] ووفقًا لما ذكره ماينيكة، فإن أقدم مئذنة مثمنة موثقة في سورية المملوكية كانت المئذنة فوق بوابة زاوية الشيخ علي بكّاء في الخليل (702/ 1303)، والتي تنقسم إلى منطقتين.[14] المئذنة في جامع التونبغا الناصري هي المثال الثاني لمئذنة مثمنة الشكل[15]. وابتداءً من هذه المئذنة، يصبح هذا النموذج شائعاً جداً في حلب.[16]