التدابير الإنشائية خلال الفترة المملوكية

[مصدر الصورة: © 1990 جان-كلود دافيد]

فقدت حلب تحت حكم المماليك مكانتها كعاصمة لدولة مستقلّة إلى الأبد، وهكذا لم تعد القلعة مكان إقامة ملكي وعادت لتكون مبنى وظيفي لأغراض عسكرية (كما كان الحال قبل الحمدانيين). اقتصرت الجهود في الغالب على إزالة الأضرار التي تسبب بها المغول للمدينة التي أصبحت مركزاً تجارياً والتي توسّعت باتجاه الشرق وتمّت إحاطتها بسورٍ جديد. لم تعد القلعة الآن واقعة في طرف المدينة بل أصبحت في وسطها، كما تمّ إجراء أعمال تجديد في القلعة حسب المعلومات التي تذكرها ثلاثة نقوش كتابية (1292، 1290ـ 1293 و1384 م)[1]

في عام 1400 م قام القائد العسكري من آسية الوسطى تيمور (المعروف باسم تيمورلنك والمتوفى عام 1405 م) بتدمير حلب مرّةً أخرى. نتيجة لهذا التدمير نفذت منذ مطلع القرن الخامس عشر ثلاثة مشاريع إنشاء  جديدة وأعمال تجديد في القلعة بهدف تحسين القدرة الدفاعية. شملت أعمال التجديد هذه على سبيل المثال تصغير الأبراج المستطيلة القديمة في سور القلعة، حيث تمّ تعديل الأساسات لتتناسب مع بدن البرج الأضيق عن طريق قص الحواف. في نفس الوقت ولتعزيز السور تمّ بناء مكامن (مستودعات ذات استخدام عسكري) (الشكل 11 و 12) مؤلّفة من طابقين وذات عقود اسطوانية على أجزاء واسعة من السور. بالإضافة إلى ذلك بُني برجٌ دفاعي في الجهة الجنوبية (البرج الجنوبي) (الشكل 13) ويخبرنا النقش الكتابي المؤرّخ في عام 1406 م، أنه كان مماثلاً للبرج الأيوبي الشمالي. ولكن لماذا تمّ إصلاح البرج الجنوبي بعد مرور مائة عام فقط كما يذكر النقش الكتابي الترميمي المؤرّخ في عام 1508 م؟ على الرغم من أنّ الجانب العريض للبرج الشمالي (13 × 18 م) والجانب الضيق للبرج الجنوبي هما الجانبان الجبهيان الرئيسان المواجهان للهجوم إلّا أنه يبدو أنهما متشابهان تماماً بطوابقهما الثلاثة وكوى الرماية العديدة. غير أن الاختلاف المهم هو أنه في البرج الجنوبي (الشكل 14) تتجمّع شقوق السهام على طول الجدران الخارجية السميكة حول فناء داخلي صغير كما أنه ليس هناك منصّةٌ دفاعية لنصب المنجنيقات الثقيلة عليها، لأن هذه المنجنيقات قد استُبدلت الآن بالمدافع كما تُظهِر فتحات الرماية المناسبة لها بوضوح. كان الفناء الداخلي المفتوح أمراً لا غنى عنه لتصريف الدخان الناتج عن إطلاق النار.

الشكل 11: حلب ، القلعة ، من الداخل: بقايا التطور الشمالي [مصدر الصورة: © 2010 ميخائيل براونه]
الشكل 12: حلب ، القلعة ، من الداخل: بقايا المباني الشمالية الشرقية مع برج مستطيل من الجدار الدائري [مصدر الصورة: © 2010 ميخائيل براونه]
الشكل 13: حلب ، القلعة ، من الخارج: منظر للبرج الجنوبي مع رصف المنحدر التالف [مصدر الصورة: © 2008 بيانا ص 148]
الشكل 14: حلب ، القلعة ، خارج: البرج الجنوبي ، المنظر العلوي [مصدر الصورة: © 2010 ميخائيل براونه]

في ذلك الوقت قام السلطان قانصوه الغوري (1500- 1506 م) بصبّ المدافع بشكلٍ مستمر في مسبك المدافع الحديث التابع له في القاهرة وذلك لحاجته لاستخدامها ضد الأسطولين البرتغالي والعثماني [2]. ولأنه أدرك بوضوح مستقبل إدارة الحروب فقد قام بتقوية البرج الجنوبي لتزويده بالمدافع والقربينات (سلائف البنادق الثقيلة). بذلك يعدّ البرج الجنوبي مثالاً مبكراً بشكل ملحوظ للعمارة الدفاعية المجهّزة لاستخدام الأسلحة النارية.

كما تم تجديد البوابة الأيوبية السفلية (الشكل 15) من الناحية الشكلية والوظيفية حيث تم إحداث فتحات رميٍ مستطيلة ومسدسة الشكل بالإضافة إلى منصات لنصب المدافع كما تمّ قص وشطف حواف المبنى الخارجية بشكلٍ أكثر وضوحاً من البرج الجنوبي (الشكل 16).

قام الأمير المملوكي جقم بن عوض بتنفيذ مشروع طموح للإنشاء (الشكل 17 و18)، حيث أنه قام ببناء قاعة عرش (26.5 × 23.5 م) فوق كامل قاعة المدخل الأيوبية وذلك بإضافة طابقٍ ونصف فوقها. نتج عن ذلك بناء ذو واجهة متناسبة بشكلٍ لا مثيل له. كان هناك لسوء الحظ مشاكل في تشييد السقف حيث تعرّض عدّة مرات للانهيار وإعادة البناء. يعود تاريخ آخر عملية لإعادة تشييد السقف إلى عام 1974.

الشكل 15: حلب ، القلعة ، من الخارج: برج البوابة السفلى ومنحدر الوصول حوالي عام 1940 [مصدر الصورة: © 1942 سوفاجيه ص30]
الشكل 16: حلب ، القلعة ، خارج: برج البوابة السفلى ، غرفة العرش والبرج الجنوبي (يمين [مصدر الصورة: © 2010 ميخائيل براونه]
الشكل 17: حلب ، القلعة ، الخارج: منظر جنوبي مع برج البوابة السفلي والوصول العلوي مع غرفة العرش [مصدر الصورة: © 2010 ميخائيل براونه]
الشكل 18: حلب ، القلعة ؛ الداخل: مدخل البوابة العليا أو غرفة العرش [مصدر الصورة: © 2010 ميخائيل براونه]