سراي جانبلاط

[مصدر الصورة: © ميشائيل ماينيكة]

لمحة تاريخيّة

يُعرف هذا القصر الضخم جدًا والواقع في حي البندرة داخل السور اليوم باسم "دار جانبلاط" في إشارة إلى عائلة جانبولات التي تعود اصولها إلى  كِلّس شمال حلب. أوكلت السلطات العثمانية إلى جانبولات بك بن قاسم الكردي (توفي حوالي 980/ 1572) مهمة قيادة القبائل الكردية في المنطقة وتمكن من إقامة حصنٍ محلي حول كِلِّس. اشترى قصراً مملوكيّاً في البندرة وشرع في الإنشاء، ورتّب أجزاء مختلفة من مسكنه المستقبلي حول فناء كبير (يسمى "دوّار")، بما في ذلك أرض كنيس لليهود "الغربيّون" ("اليهود الإفرنج") والذي قام بهدمه. واصل ابنه حسين باشا، والي حلب لفترة قصيرة، لكنه شارك غالباً في الانتفاضات ضد السلطات المحلية، وإعادة بناء المنزل. وعندما أُعدم في 1014 / 1605-06، كان من المفترض أن يكون إنشاء الجزء الشمالي من الهيكل الذي يحتوي على الإيوان الثاني قد انتهى.[1]
خلال القرون التالية، استمرت العائلات من أعيان المدينة في الاستخدام والعيش في مجمّع البناء وتعديل بنيته وفقاً لإحتياجاتهم وعاداتهم المتغيرة. وفي أوائل القرن التاسع عشر، كان البناء يخصّ عائلة الكواكبي. قام حسن أفندي الكواكبي، مفتي حلب، بتحويل المبنى من وقف (وقف ديني) في عام 1206 / 1791-92 لصالح أسرته (وقف ذرّي). بعد وفاته، ومع عدم وجود أحفاد من الذكور، استحوذ صهره من عائلة إبراهيم باشا زاده على المبنى في رجب 1229 / حزيران 1814.[2]
الشكل 1: سراي جانبلاط، مخطط الأرض حوالي عام 1950 [مصدر الصورة: © جان-كلود دافيد]
يبدو أن الجزء الأقدم من البيت كان عبارة عن قاعة قائمة بذاتها شيّدت على الأرجح في أواخر العصر المملوكي وتمت إضافة الإيوان الضخم إليها حوالي عام 1550 بواسطة جانبولات بك. يقع كلاهما في وسط حديقة متصلة بحمام ومطبخ.[3] حوالي عام 1600، تم إنشاء جزء جديد للاستخدام الخاص (دار الحرم) على طول الشارع في الزاوية الشمالية الشرقية بين الأجزاء القديمة والشارع من قبل شخص من سلالة جانبولات بك.[4]
كانت الأجزاء الأقدم (ما قبل القرن التاسع عشر) من المجمع عبارة عن ثلاث وحدات منفصلة مكانياً (راجع الشكل 1، الحالة حوالي عام 1950) (الشكل 1). على عكس قناق الجزّار ومعظم البيوت المحفوظة في مدينة حلب القديمة، يبدو أن سراي جانبلاط تمثل نوعاً أقدم من العمارة السكنية للطبقة العليا. ويفتح نافذة على ماضٍ بعيد، لأنه يحافظ على الأشكال المعمارية التي نادراً ما سلمت حتى يومنا هذا.[5]

الموقع والشبكة العمرانية

يقع سراي جانبلاط في حلب في منطقة تميزت بعدد من القصور السكنية التي تعود إلى العصر المملوكي والعهد العثماني المبكر.[6] كانت معظم هذه المباني - على عكس سراي جانبلاط - تقع على الشارع الرئيسي الذي يربط منطقة السوق المركزي بباب النصر والضاحية الشمالية.[7]
في العهد العثماني، أُنشئت إحدى المؤسسات العامة المهمة، وهي المحكمة الشرعية، وكانت مقر القاضي الرئيسي لمحافظة حلب، في بيت كبير من فنائين على المحور المركزي لحي سويقة علي.

مخطط المسقط

الشكل 2: سراي جانبلاط، الإيوان الرئيس [مصدر الصورة: © 1988 جان-كلود دافيد]
يمثل قصر جانبلاط "نسخة" مثيرة للاهتمام من العمارة السكنية في حلب، حيث تم الحفاظ على طبقة قديمة، ليس فقط في التصميم المعماري، ولكن أيضاً في النمط الشكلي.[8] لايزال حتى اليوم يحتل إحد أكبر العقارات داخل المدينة القديمة. بخلاف منزل الفناء النموذجي، فهو يتكون من وحدات معمارية مختلفة. الجزء المركزي والملفت للنظر هو بالتأكيد الإيوان الضخم حوالي عام 1550. (الشكل 2)
يقع هذا الإيوان بجوار قاعة مملوكية قديمة ملحق بها حمام ومطبخ. (الشكلان 3- 4) قد تشبه هذه القاعة النوع الدمشقي المذكور سابقاً للقاعة المملوكية القائمة بذاتها.[9] كان القصر يتألف من أربعة أواوين حول مساحة مركزية، كانت مكشوفة في الأصل، لكنها غُطيت فيما بعد بقبّة. يصعب التأكد من الأجزاء الأخرى من هيكل الإيوان، ولكن يبدو أنه كانت هناك غرف مقببة على طابقين.[10]
الإيوان الضخم المجاور للقاعة هو الأكبر في حلب وبالتأكيد واحداً من أكثر الأواوين إثارة للإعجاب. ينفتح على جهة الشمال ويحدّه غرف مقببة على طابقين يمكن الوصول إليهما من خلال أدراج في أسفل الإيوان. (الشكل 5)
الشكل 5: سراي جانبلاط، الفناء باتجاه الإيوان الرئيس. [مصدر الصورة: © 1988 جان-كلود دافيد]
تزين الإيوان وواجهته زخارف غنية. تم تأطير نوافذ الغرف المقببة بالأبلق الأسود والأبيض والنقوش البارزة. إلا أن أكثر ما يلفت الانتباه هو الزخرفة الداخلية للإيوان: الجزء السفلي مشغول بألواح رخامية مستطيلة والجزء العلوي والسفلي من الإيوان مزين ببلاط القاشاني الذي يشبه ذلك الموجود في قبة الصخرة في القدس، لذا فمن المحتمل أن يعود تاريخه إلى منتصف القرن السادس عشر، من عهد سليمان القانوني.[11] (الأشكال 6- 9)
الشكل 6: سراي جانبلاط، الإيوان الرئيسي.، القسم السفلي [مصدر الصورة: © 2009 شتيفان كنوست]
الشكل 7: سراي جانبلاط، الإيوان الرئيسي.، القسم السفلي [مصدر الصورة: © 2009 شتيفان كنوست]
الشكل 8: سراي جانبلاط، الإيوان الرئيسي.، القسم العلوي [مصدر الصورة: © 2009 شتيفان كنوست]
الشكل 9: سراي جانبلاط، الإيوان الرئيسي.، القسم العلوي [مصدر الصورة: © 2009 شتيفان كنوست]

أهمية خاصة

يلفت الإيوان الرئيسي بحجمه، وكذلك النقوش والبلاط، انتباه زوّار سراي جانبلاط. إنه واحد من الأمثلة القليلة المتبقية للهندسة المعمارية المنزلية من عصور ما قبل وأوائل العصر العثماني في حلب ومن بين تلك الأمثلة، فهو بالتأكيد الأكثر روعة والأفضل حفظاً.