الخصائص المعمارية والفنية

بقلم رامي الأفندي

[مصدر الصورة: © 1990 يوليا غونيللا]
الجامع الكبير هو أكبر وأقدم المساجد في حلب بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 8000 متر مربع [1]. بُني الجامع ودُمر وأُعيد تجديده وبناؤه مرات عديدة على مدى ثلاثة عشر قرناً. ينفرد هذا المعلم عن معالم المدينة بأنه الوحيد الذي يعكس تاريخ المدينة والتغيرات التي حصلت والسلالات التي حكمت منذ بداية الفترة الإسلامية حتى وقتنا الحالي. كل بناء أو إضافة للجامع شكلت جزءاً أساسياً أو صغيراً في تشكيل طرازه المعماري الفريد. يعود طراز الجامع بمعظم مظهره الحالي للفترة بين القرنين 5 و 8 هـ/ 11 و 14 م.
 يعتقد بأن الجامع الكبير بحلب بشكله الأصلي العائد للقرن الأول هـ/ الثامن م هو نسخة من الجامع الأموي الكبير بدمشق.[2] وبحسب مؤرخ حلب ابن العديم (660 هـ/1262 م) الذي اعتمد على مصادر أقدم فإن جامع حلب كان يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء.[3] ومع ذلك لم يعثر على دليل في الجامع يثبت ما أورده ابن العديم، ونرى اليوم بأن زخرفة الجامع متواضعة.
على الأقل إن أقدم ما يوجد في الجامع حالياً هو الشكل المثمن لقبة الميضأة العائدة لفترة الحمدانيين (945-1002م) عندما كانت حلب مقر حكمهم. وحسب المؤرخ والمستشرق الفرنسي سوفاجيه، فإن أعمال الترميم التي قام بها الأمراء الحمدانيون لم تكن كافية لتعيد ألق الجامع كما كان في حالته الأصلية عندما بناه الأمويون الذين حكموا الفترة بين 661 و 750 م.[4]
تعود المئذنة التي انهارت مؤخراً لفترة حكم السلاجقة لسوريا في نهاية القرن 5 هـ/ 11 م، وكانت حلب خلالها المقر الرئيسي لأقوى القادة المحليين من أشراف المدينة.
طرأ تغير أساسي وملحوظ في توسعة الجزء الشرقي لقاعة الصلاة، مما أدى لتغير شكل الجامع في طرفه الجنوبي الشرقي في الفترة التي كانت حلب خلالها مقراً مهماً لحكم السلالة الزنكية في سوريا (1128-1183). وحسب الباحث آلين، فإن الرواق الشرقي تظهر عليه خصائص زنكية وخاصة أحجار قوس المدخل الشرقي، وتظهر أيضاً خصائص مملوكية من خلال زخارف بسيطة على الأقواس الجنوبية للرواق الشرقي نفسه.[5] 
 استبدل سقف القبلية المحمول على أعمدة بأقبية متقاطعة محمولة على دعامات خلال عمليات التجديد في الفترة المملوكية (1260-1516م)، وتم تجديد المحراب الرئيسي أيضاً، حيث كان ذلك التغير هو تبدل جذري لمظهر قبلية الصلاة والذي جعلها بشكلها الحالي. وهكذا فإن هذا النمط من الأقبية تجذر في تقاليد العمارة الحلبية، وتم دمجه مع خصائص العمارة الصليبية. وأصبح هذا النمط من المساجد ذات الدعامات والأقبية المتقاطعة سمة العمارة الحلبية لكل من المساجد المبنية لاحقاً والقديمة التي تم تجديدها، وانتشرت أيضاً في القرى المحيطة والأقاليم والمقاطعات في سوريا.[6] وتم تطبيق هذا النمط  بشكل خاص في مساجد الجمعة.
إن المنبر وباب غرفة الخطيب الخشبيان والعائدان للفترة المملوكية بين نهاية القرن 7 هـ /13 م - إلى بداية النصف الأول، هما من أفخم ما فرشت به قبلية الصلاة. يعتبر المنبر من أندر التحف وهو أقدم منبر من حيث نوعه وطريقة تزينه في حلب،[7] فهو مزخرف بأنماط هندسية بتكوينات نجمية خماسية وسداسية متداخلة. وزخرفة باب غرفة الخطيب مشابهة بعض الشيء بما تحتويه من أنماط هندسية، ويتميز الباب بوجود إطار خشبي نقشت عليه آيات قرآنية بخط الثلث.
يعود مدخل قاعة الصلاة للفترة العثمانية (1516-1918)، بينما تبدو واجهة الصحن مملوكية الطراز بشكل عام، إلا أن الباحث آلين كان قد شكك أن تكون من الفترة الزنكية.[8]  بني المدخل بنمط الأبلق (تناوب الحجر الاسود والابيض والاصفر) بما يشابه النمط  السائد في الاسلوب المملوكي (انظر الشكل 10).[9]      
تظهر في غرفة ضريح النبي زكريا خصائص من الفترة العثمانية، حيث فرشت جدران الغرفة بأنماط مختلفة من بلاطات الخزف (انظر الشكل 11). النمط الأول من الخزف هو نمط فريد من بلاطات ثمانية الأضلاع مقتبسة بزخرفتها من نمط خزف إزنيق الملون بالأزرق والأبيض من القرن 16 مع نمط الزهور الممتلئة، أما النمط الثاني من الخزف يشابه نمط خزف قبة الصخرة. وهناك نمط ثالث مستطيل الشكل مزخرف بأنماط متصالبة مع تقوسات مدببة الحواف، ضمن توريقات وأغصان ملتفة ظهرت بنظامين لونيين مختلفين: الأول باللون الأسود على خلفية فيروزية والثاني بني مؤطر بلون أخضر تفاحي على خلفية بيضاء.[10] 
الشكل 8. الجامع الكبير، القبلية، نقش هبة إعادة البناء فوق المحراب [مصدر الصورة: © 2011 عصام حجار]