المقدمة

[مصدر الصورة: © 1983 جان-كلود دافيد]
لم تتم دراسة العمارة المنزلية في حلب بشكل منهجي. ومع ذلك، فإننا نمتلك عددًا من الدراسات للبيوت الفردية ذات القيمة التاريخية والمعمارية العالية.
 قد نفترض بشكل عام أن العمارة المنزلية خضعت لتحولات ديناميكية أكثر من العمارة الدينية. على سبيل المثال: قام الناس بتعديل مكان معيشتهم في مناسبات عديدة، سواء أكان ذلك تغيّر المالكين أو المستأجرين، أو ببساطة تغيّر الأذواق والعادات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التكوين والحجم المتغيرين لعائلات الساكنين (أو المجموعات التي تعيش في المبنى) تجعل من الضروري تعديل المبنى عن طريق إضافة مساحة أو - على العكس - عن طريق تقسيم الغرف إلى وحدات أصغر. تكشف الوثائق المحفوظة في سجلات المحاكم الشرعية المحلية عن هذا الجانب "الديناميكي" للعمارة المنزلية.
يضم تراث العمارة السكنية في حلب عدداً قليلاً من المباني، وفي معظم الحالات أجزاءاً من المباني فقط، من فترة ما قبل العثمانيين. يعود الجزء الأكبر من تلك البيوت المحفوظة إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على الأرجح، ولاسيّما في الأحياء القديمة. وصلت إلينا بعض الأمثلة الرائعة بشكل مميّز من القرنين السابع عشر والثامن عشر.
إن المثالين موضوع النقاش هنا هما من بين أضخم المباني السكنية في حلب، ويقعان في حيّين مختلفين في حلب داخل السور، ويغطي تشييدهما وإعادة بنائهما الفترة الممتدة بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر.

العمارة المنزلية في حلب العثمانية

التسمية الأكثر شيوعاً للمنزل العثماني في حلب هي "دار". تم تسمية عدد قليل فقط من مساكن العائلات البارزة بعبارات أخرى، مثل "سراي" أو "قصر" أو "قناق" (قصر الحاكم).
بالرغم من الاختلافات في حجمها وفخامة أو بساطة أثاثها، تتشارك بيوت حلب التقليدية ببعض الخصائص. كان البيت النموذجي، قبل نهاية القرن التاسع عشر، عبارة عن فناء مفتوح به غرف مختلفة مرتّبة حول هذا الفناء المستطيل الشكل عادةً. قد يحتوي الفناء على نافورة أو بركة في وسطه بجوار "حديقة" صغيرة (بستان) بها عدد قليل من الأشجار والنباتات كأشجار الياسمين والحمضيات، المزروعة لإستمتاع السكان.
يحتوي البيت النموذجي على فناء واحد ويكون البنيان على طابق واحد أو طابقين حوله، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من البيوت - الأضخم والأغنى - التي تحتوي على فنائين أو ثلاثة أفنية ومبان فوق الطابق الأول. يتم عادة تخصيص أجزاء البيت المختلفة حسب الغرض منها مثل غرفة المعيشة وغرفة النوم، ولكن من خلال موقعها داخل المبنى. معظم الغرف لا يتم تخصيصها إطلاقاً، وتسمّى عادة "بيت" أو "مسكن" أو "أوضه". بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن المصطلحين "المربّع" و "المصيف" يشيران إلى غرف في الطابق العلوي. المصيف، كما يشير الاسم، يمكن فهمه على أنه مكان جيد التهوية يستخدم بشكل خاص خلال فصل الصيف الحار.[1]
تحتوي البيوت الأكبر حجماً على عنصر نموذجي يدعى الإيوان، وهو عادة قسم عالي وعميق من طابقين، ينفتح على الفناء ويشكل قوساً ضخماً مغطى بسقفٍ إما خشبي أو مقبب. فهو محميّ من الشمس والمطر، ويتيح بالتالي استخدام مساحة مفتوحة عندما يكون التجمع في الفناء غير مريح.
القاعة عبارة عن صالة نموذجية قد تكون لها تصميمات مختلفة. وتكون عادة بمثابة غرفة اجتماعات واستقبال، وبالتالي فهي موجودة في البيوت الأضخم. قد تكون القاعة عبارة عن غرفة فسيحة ومزخرفة بكثافة، وتكون غالباً الأكثر اتساعاً في المنزل. في حلب، يُطلق على نوع خاص اسم "القاعة البنقوسيّة" بمعنى قاعة على شكل حرف T بها أقواس (أواوين) في ثلاثة جوانب منفصلة عن جزء مركزي - مستطيل - غالباَ مع نافورة في وسطه.[2] في بعض البيوت، تعتبر "أوضة القهوة" الخاصة (غرفة القهوة) جزءًا من القسم العام وكانت تستخدم لتحضير القهوة. الغرف المقببة عبارة عن غرف جانبية صغيرة للإيوان أو القاعة.[3]
يتم تخصيص الأجزاء الأخرى بشكل صريح وواضح أيضاً، مثل المطبخ ، والطابق السفلي (القبو) أو الأقبية الصخرية (المغارة ، "الكهف")، ولكنها تكون عادة جزءًا من البيوت الأضخم فقط.[4]
تنقسم البيوت الأضخم والأكثر ثراءً إلى قسمين مختلفين: جزء "خاص" للاستخدام الحصري للعائلة وجزء "عام" مفتوح للزوار ويستخدم للأنشطة التجارية. يسمى الجزء الخاص في حلب الجوّاني أو الحرم، والجزء العام البرّاني أو أوتا (مشتق من "أودا" التركية التي تعني "غرفة" أو "شقة"). يمكن العثور على هذا التقسيم في أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي. في أجزاء أخرى من الإمبراطورية العثمانية، كما هي الحال في دمشق، يُطلق على الجزء الخاص عادةً اسم "الحرملك" وعلى الجزء العام "السلاملك".