التطور بمرور الزمن ووقف الجامع

[مصدر الصورة: © يورغن ريزة]
الشكل 8: تكيّة الشيخ أبو بكر، منظر عام [مصدر الصورة: © أوسكار رويتر]

يبدو أن المنظر الإستثنائي للتكيّة خارج باب الفرج، والمحاطة بالبساتين، جعل منها محطة شبه إجبارية لزوار المدينة من الأجانب. يعتبر ذكر التكيّة في عدد من تقارير السفر وأوصاف حلب مصدراً إضافياً ثميناً لتاريخها. لسوء الحظ، لم يتم العثور على وصف معماري مفصل حتى الآن، ولكن ما نجده مذكوراً عادة هو حجم التكية وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى في حلب. ومن المثير للاهتمام، أن تكيّة الشيخ أبو بكر إلى الشمال من المدينة يتم تحديدها غالباً على أنها مقر "ثانٍ" للدراويش. يخبرنا شوفالييه دارفيو أن التكيّة المولوية كانت سكناً لحوالي 25 درويشاً في عصره، في النصف الثاني من القرن السابع عشر، بينما كان حوالي 40 منهم يعيشون في تكيّة الشيخ أبو بكر.[1]

يؤكد ألكسندر وباتريك راسل، بعد حوالي قرن من الزمان، بشكل أو بآخر أسبقية تكية الشيخ أبو بكر. ويذكرون "ثمانية أو عشرة دراويش" يعيشون بشكل مريح هناك ومقر "أصغر" يخص "دراويش الفتلة".[2] سار الرحّالة الألماني أولريش جاسبر سيتزن بالقرب من التكيّة المولوية عام 1803، وروى أن سبعة دراويش كانوا يعيشون هناك. وكتب أنها تحتوي على بستانين على الرغم من أنهما في حالة سيئة.[3]

تقع تكيّة الشيخ أبو بكرعلى تل شمال المدينة، في موقع "مرئي" بشكل أكبر من التكيّة المولوية. (الشكل 8) أقامها الشيخ أحمد القاري حول ضريح الصوفي أبو بكر الوفائي.[4] ومثل التكيّة المولوية، استفادت أيضاً من الاهتمام الإستثنائي من الموظفين العثمانيين الذين أنشؤوا أوقافًا لدعمها، وخلال القرن الثامن عشر، كانت التكيّة في بعض الأحيان مقراً لحاكم المدينة العثماني.[5] لا تقيم المصادر المحلية صلة مباشرة بين هاتين المؤسستين للإسلام الصوفي قبل أوائل القرن التاسع عشر. على الرغم من أن المراقبين الأجانب أعطوا أهمية أكبر لتكيّة الشيخ أبو بكر، فبعد وفاة الشيخ مصطفى بن حسين الوفائي دون خليفة عام 1213 / 1798-99، ظل منصب شيخ التكيّة شاغراً لأكثر من عشر سنوات، وأخيراً تم تعيين مصطفى دده، شقيق عبد الغني دده شيخاً للتكية المولوية. وبقي في هذا المنصب حتى وفاته عام 1284 / 1867- 68.[6] في نفس الوقت تقريباً، عُيِّن شقيق آخر للشيخ عبد الغني، وهو محمد صالح، إدارياً (متولي) لثلاثة مساجد صغيرة في الأحياء المحيطة بالتكيّة.[7] يبدو أن هذا يشير إلى تغير استراتيجية المولوية في ذلك الوقت. لم تعد "ديراً منعزلاً" على ما يبدو، حاول مشايخها بناء شبكة من المؤسسات الدينية الراسخة في المدينة وأحيائها.

ربما كان وقف التكيّة من أغنى المؤسسات الصوفية في حلب. لسوء الحظ، لا نملك الكثير من المعلومات، حيث يبدو أنه قد تمت إدارتها دون اللجوء كثيراً إلى المحاكم القانونية المحلية. ومع ذلك، لدينا وصف مفصّل لأوقاف التكيّة من عام 1258 / 1842-43. وكغيرها من المؤسسات الصوفية، توزعت ممتلكاتها في جميع أنحاء المدينة وخاصة في الضاحية الشمالية وداخل السور. وكان عدد منها يقع في ولاية حلب، وتحديداً في مدينة أنطاكية، حيث نشط الشيخ عبد الغني وأسس الفرع المحلي للمولوية. حقق وقف التكيّة أعلى الايرادات من البساتين المجاورة لها والتي كانت ستصبح نواة منطقة باب الفرج التجارية المزدحمة.[8]

بعد وفاة آخر شيخ في الخمسينيات من القرن الماضي، توقفت المولوية عن أداء طقوسها واختفت من حلب. ومنذ ذلك الحين، قامت التكيّة بوظائف جامع الجمعة لمنطقة باب الفرج المزدحمة.