السياق التاريخي

[مصدر الصورة: © 1920 أرشيف كريزويل]
كانت فترة حكم الأيوبيين في عهد الظاهر غازي ابن صلاح الدين يوسف (صلاح الدين الأيوبي) من أكثر الفترات بريقًا في تاريخ حلب. بعد أن تولى منصب والي حلب تحت سلطة والده، ورث الإمارة عام 589 هـ / 1193 م. بقيت حلب دولة شبه مستقلة داخل الاتحاد الأيوبي بعد وفاة صلاح الدين، ضمن ظروف سياسية مستقرة إلى حد ما، تحت حكم الظاهر غازي، على الرغم من انخراطه بشكل جزئي في الصراع مع الأمراء الأيوبيين من أجل السيطرة.[1] امتدت أراضي الإمارة من الفرات إلى اللاذقية على البحر المتوسط ومن جبال طوروس في الشمال إلى معرة النعمان في الجنوب.
 
أصبح الظاهر غازي في إمارته الخاصة راعياً للهندسة المعمارية في المقام الأول، مع التركيز بشكل طبيعي على عاصمتها حلب. تشكل التحصينات جزءاً كبيراً من أنشطة التشييد الخاصة به: تمت تقوية أو إعادة بناء أسوار المدينة والقلاع كما تم تنفيذ إنشاءات جديدة، مثل قلعة نجم الضخمة على نهر الفرات.[2] تشتهر قلعة حلب بشكل خاص بكتلة مدخلها المكون من برجين يحميان البوابة، والذي يلتوي عدة مرات أثناء الوصول إلى الهضبة الداخلية للقلعة. أعاد الظاهر غازي بناء المساكن داخل القلعة بعد الحريق المدمر في عام 609 هـ / 1212م. وقام بترميم أو إعادة بناء القصر والجامع الكبير في القلعة، بكميات غير معروفة من مواد البناء الأصلية التي أعيد استخدامها في البناء الجديد.[3]
احتلت الأوقاف الدينية للظاهر غازي أمتاراً مكعبة من أحجار المقالع أقل من التحصينات، لكنها تشكل معالم مهمة في تاريخ العمارة الأيوبية. في البلدات الإقليمية لإمارته يمكننا ذكر مئذنة في اللاذقية ومقام نبي الله يوشع في المعرة.[4] والأكثر أهمية هو الجامع الكبير (ما يسمى بالمقام الأعلى) في قلعة حلب، والمدرسة الظاهرية في الضاحية الجنوبية للمدينة.[5] وكلاهما يتميزان بأهمية خاصة، لأن بنائهما سبق بناء المدرسة السلطانية مباشرة. لم يكن تأسيس مدرستين، واحدة خارج المدينة والأخرى في الداخل، حالة فردية ولكن كان لها نظير في أوقاف الأمير شاذبخت، الأتابك شهاب الدين طغرل والأمير سيف الدين علي بن سليمان بن جندر) من بين تلك المدارس، تم الحفاظ فقط على المدرسة الشاذبختيّة داخل السور، والمدرسة الأتابكيّة خارج السور بشكل جزئي). من الواضح أن دفن راعي مثل هذه المؤسسات المزدوجة كان يتم في أحد المكانين أو في المكان الآخر، اعتماداً على ما إذا كان قد توفي داخل سور المدينة أو خارجه.[6]
بنى الظاهر غازي مدرسته في الضواحي الجنوبية خلال السنوات الأولى من القرن السابع هـ / الثالث عشر م (ووفقاً لابن شدّاد، فقد تم الانتهاء من بنائها في عام 610 هـ / 1213-14م، ولكن دفن الأمير المؤيد مسعود بن الناصر يوسف في 606 هـ /1210 م يشير إلى أن المبنى كان في هذا التاريخ قائم جزئياً على أقل تقدير.[7] ربما كان الظاهرغازي قد خطط لبناء مدرسته داخل المدينة بعد ذلك مباشرة، ولكن من المرجح أن البناء والتجديدات في القلعة جاء بينهما، حيث كانت هناك حاجة ماسة للإنفاق بعد حريق عام 609 هـ / 1212 م.
ربما بدأ بناء المدرسة الجديدة داخل المدينة فقط عندما توفي الظاهر غازي في عام 613 هـ / 1216 م. وفقاً لإبن شدّاد، توقف البناء ولم يُستأنف إلا بمبادرة من الأتابك شهاب الدين طغرل، معلّم العزيز محمد خليفة الظاهر غازي عندما كان قاصراً.[8]  تتوافق معلوماته مع النقش القصير على الكورنيش العلوي للواجهة. يمكن اعتبار تاريخها 620 هـ / 1223 م هو تاريخ الانتهاء. يذكر النقش أيضاً الغرض من المبنى: تعليم (قراءة) القرآن والقانون الديني (الشريعة)، وكذلك دفن المؤسس.[9] يقول ابن شدّاد أن هذه المدرسة، التي يسميها "الظاهرية داخل السور"، كانت مكرّسة لمدارس المذهب الحنفي والشافعي، ويذكر ابن العديم أن جثمان الظاهر غازي نُقل من مدفنه الأول في القلعة إلى المدرسة عام 620 هـ / 1223-1224 م.[10]