الموقع والشبكة العمرانية

بقلم شتيفان كنوست

صحن الجامع، مشهد من الأعلى [مصدر الصورة: © 2015 يوليا غونيللا]
يقع الجامع الكبير في مركز مدينة حلب القديمة إلى الشمال من المحور الرئيس للسوق التاريخي المغطى. يشغل الجامع موقعاً مركزياً مميزاً، حيث أن منطقة الجامع كانت موقع الساحة العامة (الأغورا) في الفترة الهلنستية، ويبدو أنها كانت جزءاً من الساحة العامة (الفوروم) في العصر الروماني. [1]  ثم كانت جزءاً مما يفترض أنه استخدم كحديقة لكتدرائية القديسة هيلانا البيزنطية[2]، والتي مازالت بقاياها محفوظة داخل المدرسة الحلوية الإسلامية الشهيرة.
يحيط السوق المركزي بالأطراف الثلاثة للجامع الكبير: تضم قبلية الجامع المدخل المؤدي لسوق الحبال، بينما ينفتح المدخل الغربي من صحن الجامع على سوق المسامرية ويقابل المدرسة الحلوية، وينفتح الباب الشرقي على سوق إسطنبول الجديد. يؤدي الباب الشمالي للحديقة الخارجية المجاورة، والتي استخدم الجزء تحت الأرضي منها، لتكون الموقع الجديد للمكتبة الوقفية منذ عام 2006. يوازي الجامع الكبير بجزئه الشمالي الشارع المسمى باسمه، ويوازي شارع السوق التاريخي المغطى من الجانب الجنوبي، ويمتد الشارع باتجاه الشرق حتى يصل تلة القلعة.

التصميم الأصلي

الشكل 4. الجامع الأموي، القبلية، المنبر الخشبي [مصدر الصورة: © 2011 عصام حجار ]
من غير المحتمل أن يكون المخطط الأساسي للمبنى قد تغير كثيراً بمرور الوقت. يتكون مسقط الطابق الأرضي الأصلي من صحن مستطيل محاط بثلاثة أروقة ضيقة، بالإضافة إلى قبلية (حرم) الصلاة الكبيرة مستطيلة الشكل، والممتدة على طول الجزء الجنوبي المواجه لمدينة مكة (اتجاه قبلة الصلاة).[3] لا تظهر في المبنى الحالي للجامع أية آثار تعود لفترة التأسيس الأموي، وحتى الآن لم يتم إجراء تحقيقات أثرية معمقة حول الجامع. أشارت بعض المصادر التاريخية أن مئذنة أقدم كانت قائمة وتم استبدالها لاحقاً.[4]

التصميم الحالي

الشكل 5: الجامع الكبير، الصحن، المزولة الشمسية الأفقية، الرواق الشمالي [مصدر الصورة: © 2011 عصام حجار]
تتألف قبلية الجامع المستطيلة الشكل، التي تشغل مساحة 1800 متر مربع [5] من أربعة صفوف، ويتكون كل صف من عشرين دعامة متوازية على طول القبلية، تشكل ثلاث مجازات (انظر الشكل 2). سقفت المجازات بنمط الأقبية المتقاطعة (انظر الشكل 3). المحور (أو المجاز) الرئيسي للقبلية هو بعمق ثلاث فتحات، ويعامد المحراب الرئيسي المتوضع على جدار القبلية الجنوبي، والمجاز الرئيسي هنا هو أعرض قليلاً من بقية الفتحات، ويظهر بوضوح على واجهة القبلية ببروزه باتجاه الخارج، ويظهر بقبته في منتصف السقف المستوي، وهذا يعيد في أذهاننا فكرة المجاز القاطع في الجامع الأموي بدمشق.
تتوضع السدة الخشبية فوق المدخل الرئيس للقبلية، وقد أغلقت فتحات أقواس القبلية بواجهات مصنوعة من الخشب والزجاج.
 تضم القبلية ثلاثة محاريب على طول الجدار القبلي: المحراب الرئيسي مقابل مدخل البوابة، ومحراب ثانٍ على الطرف الشرقي وثالث على الطرف الغربي. ينتصب المنبر الخشبي على الجانب الأيمن (الغربي) للمحراب الرئيس، وإلى جانبه غرفة الخطيب.
تقع غرفة ضريح النبي زكريا - وهو والد النبي يحيى أو يوحنا المعمدان في التراث المسيحي - إلى يسار (شرق) المحراب الرئيسي، ليقابل بذلك المحور المركزي لقاعة الصلاة ( انظر الشكل 5)، وقد أغلق قوس الضريح بحاجز شبكي من النحاس، أما غرفة الضريح فتعلوها قبة صغيرة.
يجاور صحنُ الجامع قبليةَ الصلاة من طرفها الشمالي، ومساحته حوالي ضعفي مساحة القبلية (3715 متر مربع)[6]، فُرش الصحن ببلاطات من أنماط وألوان مختلفة من الأحجار السوداء والبيضاء والصفراء. على الطرف الشرقي للصحن يوجد ميضأتان تسقف كل منهما قبة، وعلى الطرف الغربي عمود بازلتي ومصطبة مرتفعة ومزولة أفقية، وعلى الرواق الشمالي مزولة عامودية.[7]

المئذنة

الشكل 6. الجامع الكبير، المئذنة [مصدر الصورة: © 2011 عصام حجار ]
أمر بإنشاء مئذنة الجامع الكبير (انظر الشكل 6) قاضي حلب خلال فترة حكم السلالة السلجوقية لمناطق سورية. [8] تمت الإشارة لتاريخ بدء البناء على قاعدة المئذنة وتاريخ إتمام البناء على قمتها [9] أي (483-489 هـ/1090-1096 م)، وظلت المئذنة قائمة حتى عام 2013.
المئذنة مربعة الشكل وارتفاعها حوالي 45 متراً، مبنية من الحجارة الكلسية. على النهاية العلوية لجسم المئذنة هناك إفريز مكون من صفي محاريب صغيرة مقنطرة، زخرفت بسخاء بأنماط نباتية. ويتوج المئذنة شرفة خشبية للأذان ترتفع فوقها قبة صغيرة.
قُسِّم جسم المئذنة  إلى أربعة أجزاء مختلفة الارتفاعات بين القاعدة والشرفة. زخرفت هذه الأجزاء ما عدا الجزء الثاني بأقواس مصمتة ذات حواف نافرة تلتف حول جسم المئذنة، وينفصل كل جزء بواسطة إفريز يضم نقوشاً كتابية عربية زخرفت بعناية. نُقشت هذه النصوص الكتابية الرائعة بالخط الكوفي العريض والمورق، وبخط النسخ أيضاً.
يظهر توقيع أو اسم المعماري حسن بن مفرح السرماني [10] ضمن خرطوش على قاعد المئذنة.  ويُظهِر النص الكتابي على قاعدة المئذنة كيف تم تشارك السلطة في حلب بين القاضي المحلي والحاكم السلجوقي، حيث تم ذكر الاسمين معاً في النص:
  إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة والزكاة
مما ابتدأ بإنشائه القاضي الأعلى ابن الخشاب محمد بن محمد الخشاب رحمه الله
وأيام الأمين الأجلّ المظفر قسيم الدولة ونصير الملة أبي سعيد آق سنقر بك مولى أمير المؤمنين أعز الله أنصاره [11]
 
أما النصوص العلوية، فقد ذكرت أسماء كل من السلاطين السلاجقة ملك شاه وتوتش الذين حكموا لاحقاً وبركات بن فارس قائد الأحداث في حلب.[12]