إفادة شخصية

اندريه يعقوبيان - مقابلة مع سامي بهرمي

[مصدر الصورة: © 2007 شتيفان فيبر]

آب 2019

لقد تعرّفت على جامع البهرمية في عمر العشرين عندما أخذني عمي إليه، ولم أكن أعلم  وقتها بأن جدي الأكبر هو الذي بناه. بدأت علاقتي بهذا المكان منذ ذلك الحين واستمرت لمدة سبع سنوات.  كانت زياراتي له مستمرةً كل يوم جمعةٍ من أجل الصلاة حيث كنت أذهب قبل موعد الصلاة بساعةٍ أو ساعتين، كنت أذهب قبل موعد الصلاة بساعةٍ أو ساعتين، أجلس داخل مكان عمره 400 أو 500 سنة. رائحة النظافة التي تفوح من هذا المكان مميزةٌ جداً، حيث هناك ثلاثة خدم يعملون بشكلٍ مستمرٍ للمحافظة على نظافته وترتيبه،  هواؤه منعش، جدرانه باردةٌ صيفاً وله خصوصيةٌ رائعة. صوت المؤذن أبو جلال في جامع البهرمية له وروحه الصادقة للاختلاء بينه وبين ربه، لرفع الأذان والتجويد والتسميع والمولد، عليك فقط إغلاق عينيك  وأنت تستمع  لصوته كي تغيب في روحك، تغيب في الموقع والمكان، القبلية وجمالها الساحر، لدخول حالة من الروحانية الكاملة.

أذكر أنه عند وصولي للجامع قبل موعد الصلاة كنت آخذ المفتاح من الخادم الذي كان يقف عادة عند البوابة بجانب سبيل الماء ويقوم بغسيل أرضية الجامع والسوق خارجه. أفتح باب القبلية (قاعة الصلاة) وأدخل، حيث أرى على يميني وعند النافذة رجلاً عجوزاً يجلس أمامه القرآن وبجانبه زجاجة ماء يقرأ بهدوء. ولأني فتحت الباب المقفول بمفتاح الخادم كان من المفروض أن تكون القبلية فارغةً من المصلّين، ولكن هذه الحادثة تكررت عدة مراتٍ و كل مرة كنت أجد العجوز بمكانه. استغربت كوني دائماً أحضر قبل موعد الصلاة بساعة وأفتح الباب وأنا أول الواصلين إليه والعجوز بالداخل ومقفل الباب عليه، فسألت الخادم عنه فأجاب  بأنه يدخل الجامع يوم الجمعة عند صلاة الصبح ويبقى فيه يقرأ القرآن حتى صلاة الظهر وبعدها يذهب لبيته، هذه هي طريقة صلاته الخاصة.

للجامع باحة جميلة ولكن حديقته أجمل. فيها في الجهة الجنوبية الشرقية ضريح باني الجامع بهرام باشا وشقيقه رضوان باشا وهو بناءٌ في غاية الجمال والروعة. للحديقة بابان مقفلان أحدهما من الشرق من حارة المدرسة الأحمدية حيث يمكن -من خلال نافذتين- رؤية نقوش الضريح وتزيناته الجميلة من الخارج، والباب الآخر من الغرب يوصل إلى  باحة الجامع. لم أتمكن قبل الحرب من زيارة ضريح جدّنا الأكبر وتلاوة بعض السور القرآنية على روحه من الداخل، لأن خادم الجامع لم يسمح لي مطلقاً بالدخول، ولكن من سخرية الحرب بأنني استطعت دخوله لأول مرة متجاوزاً تلال أنقاض المحلات المتهدمة عند سوق باب أنطاكية وخاني التتن الكبير والصغير. لقد كان الدمار كبيراً وارتفاع الأنقاض يقارب طول قامة الإنسان، تجاوزتها للوصول لباب الجامع فكان مغلقاً، ثم توجهت للجهة الغربية حيث هناك بابان آخران للجامع كانا أيضاً مغلقين.. شاهدت جدار الحديقة المرتفع الذي تهدم ومن خلال أنقاضه دخلت الحديقة وتوجهت شرقاً لمكان الضريح حيث رأيت شواهد القبور قد أزيلت تماماَ ولم يعد لها أي أثر سوى الأعمدة المحيطة به. في بداية عام 2018 رغبت أن أساهم بإعادة بناء جدار الحديقة المهدّم، وهو عبارة عن جدارٍ بطول ثمانية أمتار وارتفاع ثلاثة أمتار ورصدت مبلغ 400 ألف ليرة لذلك، إلا أن  نتيجة دراسة التكلفة وصلت لأكثر من مليوني ليرة فلم يكن باستطاعتي تحمل نفقاته.

في عام 1822 ضرب زلزال كبير مدينة حلب وتهدمت قبة الجامع بالكامل.  مرت أربعون سنة حتى بنيت قبةٌ بديلة، وتم تغطية كلفة بنائها من بيع الرصاص العازل الذي كان يغطي القبة القديمة، ما بين عامي 1860 و1864 حيث تم بناء أربعة ركائز تحمل القبة الجديدة ولكن بقطر أصغر من القديمة. اليوم بعد الحرب والضرر الكبير الذي أصاب القبلية والقبة والمئذنة لست متفائلاً بأنها ستعود كما كانت، بسبب عدم توفر التمويل المناسب واليد العاملة الخبيرة.

كان رواق الجامع مهدداً بالانهيار الكامل بسبب الضرر الذي أصاب إحدى الركائز الخارجية، والتي كان وضعها حرجاً إذا بقيت بدون إصلاح وترميم، حتى قام عبدو كنو متبرعاً بتدعيمها وإصلاحها بجهوده الفردية. قُدرت تكاليف ترميم وتصليح ركيزة واحدة ب 700 ألف ليرة، فكيف ستكون تكلفة اصلاح القبلية كاملة؟ دخلت الجامع أكثر من عشرين مرةً منذتوفر الإمكانية للدخول إلى حلب القديمة، وفي كلّ مرةٍ أزوره وكأنها المرة الأولى، و أحزن عليه وكأنني أراه مدمراً للمرة الأولى، والصلاة فيه على ما يبدو ليست ممكنةً في الأمد القريب.

أرغب بأن يبدأ العمل والترميم فيه أسوةً بالعمل  في الكنائس والجوامع الأخرى، وأن يصلي  الناس مرة أخرى في تلك الأماكن التي لها ذكرى عند أهلنا الحلبيين. أتمنى أن أعود للصلاة يوم الجمعة تحت قبة قبلية جامع البهرمية مع ذات الأشخاص الذين كنت أصلي معهم قبل الحرب.

سامي  بهرمي