الأهمية المعمارية والتاريخية

[مصدر الصورة: © 2010 لمياء الجاسر]
الشكل 12: القاهرة، مجمع مدفن السلطان برقوق [مصدر الصورة: © شتيفان فيبر 2011]
جامع الأطروش هو أول جامع تم استكماله بعد الهجوم المغولي على حلب في عام 803 هـ/ 1400 م، تحت الحكم المملوكي. وتعتبر واجهته الرئيسة بمثابة عمل تشكيلي أسلوبي أساسي لمدرسة العمارة المملوكية في حلب.[1]
تماشيًا مع المعايير التي صممت بها المجمعات الجنائزية الضخمة في العاصمة المملوكية القاهرة تغيّر مشهد الشوارع وزادت جمالية المدينة. حيث بنيت واجهة الجامع لتكون طويلة وبارزة مع بوابة عالية ونوافذ غائرة، بالإضافة إلى مئذنة شاهقة وقبة ناتئة من الضريح. ومن الأمثلة البارزة مجمع مدفن السلطان برقوق الذي بُني قبل بضعة سنوات (786-88 هـ / 1384-86 م) في منطقة بين القصرين الشهيرة في القاهرة القديمة (الشكل 12)،[2] ويحتوي على مدرسة وخان وجامع وضريح. قام ببنائه السلطان برقوق واستكمل تحت قيادة ابنه الذي خلفه السلطان فرج، وعمل تحت سلطته آقبغا الأطروش كحاكم لولاية سوريا.
بصرف النظر عن الضريح، يتبع جامع الأطروش النموذج المثالي للمساجد المملوكية في حلب، فهو ذو شكل مربع تقريباً مع مدخل بوابة ومئذنة وباحة محاطة بثلاثة أروقة وقاعة للصلاة تعادل ضعف عمق الرواق. جامع التنبغا (718-23 هـ / 1318 / 19-23 م) وهو جامع آخر لحاكم مملوكي يقع أيضاً في المنطقة الواقعة جنوب القلعة، وهو أول جامع على الطراز المملوكي. [3]على الأغلب تم تنفيذ هذا التصميم لمخطط البناء والأسقف ذات العقود المتصالبة لأول مرة في المسجد الكبير للقلعة في أوائل القرن الثالث عشر، خلال الحكم الأيوبي. ومع ذلك، فالعقود المتصالبة على ركائز ضخمة قد نفذت على نطاق واسع في جامع أمية الكبير بحلب فقط خلال السنوات الأولى من حكم المماليك، في نهاية القرن الثالث عشر. يمثل هذا النمط من العقود المتصالبة على ركائز أسلوب العمارة الحلبية التقليدية بالإضافة إلى ارتباطها بالعمارة الصليبية. [4]
تم تطوير المئذنة المثمنة محلياً في المدرسة المعمارية الحلبية خلال أوائل القرن الرابع عشر، وتعد مئذنة جامع التنبغا أول مثال على ذلك، [5]ولكن مئذنة جامع الأطروش فريدة بشرفتاها الاثنتين.
يمثل جامع الأطروش المرحلة المتطورة بالكامل والمتقنة لزخرفة الواجهات خلال الفترة المملوكية في حلب. في نفس الوقت تقريباً، حوالي عام 802 هـ / 1400 م، تم إنشاء واجهة رئيسة مماثلة على نطاق أصغر لجامع الدرج. يمكن تتبع ما سبق من واجهات رجوعاً إلى جامع السروي (780 هـ / 1378-79 م؛ الشكل 13) والمدرسة الصغيرة لجامع السكاكيني الذي تم بناؤها في عهد الحاكم أشقتمر المريداني (773 هـ / 1371-72 م).[6]
ظهرتصميم النوافذ الغائرة والمزخرفة لأول مرة على وجه التحديد بعد عودة البنّائين السوريين من القاهرة، حيث تم تكليفهم بأعمال إنشاء مدرسة السلطان حسن الضخمة (التي تم الانتهاء منها في حوالي 760 هـ / 1360 م). في المقابل، عندما ذهب البنّاؤون السوريون إلى ورشات العمل في العاصمة القاهرة خلال المرحلة الأولى من حكم المماليك، أثناء زمن بناء مسجد السلطان بيبرس (665 - 67 هـ / 1267 - 69 م)، أخذوا معهم عناصر رئيسة من تقاليد البناء السورية وتضمنت أسلوب المداميك الحجرية المتناوبة (الأبلق) والفسيفساء الحجرية الهندسية، والتي تم دمجها في العمارة القاهرية.[7]
استمرت السمات المميزة لواجهات الشارع المملوكية، التي تجمع بين منافذ النوافذ الغائرة وعناصر الزخارف الحجرية التقليدية المختلفة، في لعب دور مهم في الهندسة المعمارية في حلب على امتداد الفترة المملوكية واستمرت ضمن الفترة العثمانية. من أشهر تلك النماذج نافذة الواجهة الأمامية في قاعة العرش في القلعة (الشكل 14)، والعائدة للقرن 15 كما جامع الأطروش.