المسقط المعماري

[مصدر الصورة: © 2017 علاء الدين حداد]
لهذا الجامع تاريخ غني بمراحل البناء والإضافات التي ورد ذكر بعضها في المصادر التاريخية.
يتوافق الجامع مع النموذج المعماري لجامع الرواق، مما يعني أن الفناء (الصحن) محاط بقاعة للصلاة من جانب وأروقة ذات أعمدة (رواق) من الجوانب الثلاثة المتبقية. مسقطه مستطيل[1] ويتبع مثال جامع التونبغا الصالحي الذي يرجع تاريخه إلى ما قبل نصف قرن[2].
يقع المدخل الرئيس للجامع في منتصف الواجهة الشمالية (الشكل 4). كان هناك مدخل آخر يقع أصلاً في الشرق (الشكل 5)، ولكن تمت إعاقته اليوم بمنطقة الوضوء التي أضيفت عام 1264/ 1848[3].
بنيت القبلية على شكل صحن مزدوج، وكانت في الأصل مؤلفة من عشرة أجنحة مغطاة بعقود متقاطعة. تمت إضافة غرفتين أخريين في الجنوب الشرقي، وتبرزان من المحيط المستقيم للواجهة الشرقية في هذه المنطقة[4]. قد تتوافق هاتان الغرفتان مع الإيوانين اللذين وصفهما ابن العجمي على الجانب الشرقي من القبلية. وهو يذكر أن في أحدهما باب صغير جاء من خلاله منكلي بُغا للمشاركة في صلاة الجمعة دون إزعاج الجمهور[5]. كما ذكر ابن العجمي أن رواق القبلة استلم طابقاً جديداً من قبل مسؤول الجامع خشقدم، دوادار الوالي قاني باي الحمزاوي، الذي كان في منصبه بشكل متقطع بين عام  843 /1439 و 25 صفر 859 / 14-2-[6]1455. في أوقات لاحقة، تم تقليص سطح القبلية وفصل الممرين الخارجيين في الشرق والغرب بجدران وتحويلهما إلى حدائق (الشكل 6)[7].

  

الشكل 6: منظر جوي للجامع والصحن [مصدر الصورة: © 1976 جان-كلود دافيد]
يقع المحراب في منتصف جدار القبلة. تم التأكيد على المنطقة التي أمامه من خلال قبة ترتفع فوق رقبة ذات اثني عشر ضلعاً مع نافذة على كل جانب. يبرز الجناح المركزي لجدار القبلة بشكل أكبر بالحجر الأصفر المصقول من الحجر ذي اللون الفاتح الذي يسيطر اليوم على أسطح الجدران الباقية (الشكل 7). المحراب غني بزخارفه، وتبرز زواياه من خلال عمودين رخاميين مع تاجين، ومغطيان بالكامل بزخارف نباتية بارزة بشكل ملتف (الأشكال 8-9). تشكل طبقات أفقية وعمودية أخرى من الرخام داخل الجزء السفلي من المحراب، والذي تم تأطيره بحلية معمارية. ترتفع فوقها قلنسوة عميقة خلف قوس مزين بالأبلق. تم تزيين قوس الوجه المؤطر بشرائط حجرية متعددة الألوان ومتشابكة تحيط بالأسطح المطعمة بالأحجار الخضراء والحمراء. 
تم إدخال لوحة رخامية ذات نقش مسطح في مدماك الحجر الأصفر على يسار المحراب، وهي تصور العمودين اللذين يحملان قوساً (الشكل 10): العمودان والأرض مغطاة بنمط يشبه الشارات العسكرية، بينما زُين القوس بزخرفة نباتية. كما تصور مصباح جامع معلقاً في الأعلى، ومحاطاً من الأسفل بشمعدانات. يتوج القوس نقش كتابي في الأعلى [8]
يوجد غرب المحراب منبر رخامي (الشكل 11). بنيت قاعدته ودرابزين مظلته ومركز المنطقة الواقعة أسفل كرسي الخطيب، بالإضافة إلى إطار مثلثي يزين جوانبه، من الحجر الأصفر. البوابة بسيطة نوعاً ما: تم إدخال نقش من الأزهار فوق الفتحة وأضيفت نقوشٌ باللون الأسود. الأبواب مصنوعة من الخشب وتفتح على درج يؤدي إلى كرسي الخطيب. يعلو الكرسي مظلة تتكون من أربعة أعمدة رخامية تحمل أقواساً ذات زخارف ورقية متعددة الفصوص (متعددة الفلقات). وهي تدعم سقفاً موضوعاً فوق حلية وتعلوه قبة مضلعة قليلاً مطلية بالأخضر. تتميز الجوانب بنقوش هندسية مسطحة على الرخام تُبرز البنية الشاقولية للمظلة، والبنية الأفقية للقاعدة، والهيكل القطري لدرج المنبر (الشكل 12). تم تزيين درابزين الدرج بنمط نباتي دقيق ومعقد (الشكل 13).
الشكل 10: لوحة رخامية زخرفية على يسار المحراب [مصدر الصورة: © 2007 ميريام كوهن]
الشكل 11: منظر عام للمنبر [مصدر الصورة: © 2007 ميريام كوهن]
الشكل 12: الجانب الأيسر من المنبر [مصدر الصورة: © 2007 ميريام كوهن]
الشكل 13: تفاصيل الدرابزين على الجهة اليسرى من المنبر [مصدر الصورة: © 2007 ميريام كوهن]
تم إدخال منصة (سدة) للقارئ فوق المدخل المقابل للمحراب (الشكل 14)، وهي مصنوعة من الخشب ويدعمها عمودان خشبيان. [9]
واجهة القبلية التي تواجه الصحن مسدودة بالجدار، ويخترقها باب على جانبيه نافذتين وتعلو كل منهما نافذة صغيرة[10]. تم إدخال محرابين في الجدار بين الباب والنوافذ. يوجد فوق الباب نقش ترميمي يعود تاريخه إلى عام 1269 / 1852-53[11]. (الشكل 15)
الشكل 16: الرواق الغربي للجامع والصحن [مصدر الصورة: © 1983 جان-كلود دافيد]
الشكل 17: الجزء الشمالي الشرقي من الصحن مع الإضافات. [مصدر الصورة: © 2017 علاء الدين حداد]
الصحن محاط بأروقة. كانت تلك الموجودة في الشرق والغرب مواجهة للصحن في الأصل مع رواقين مقنطرين. تم تعديل جميع الأروقة ذات الأعمدة على نطاق واسع بمرور الزمن (الشكل 16-17). يذكر ابن العجمي أن الخراب دفع إلى ترميم الجدار الغربي للجامع وأجزاء من السقف المعقود المتصل به بين 19 محرم 852 / 25 آذار 1448 وربيع الثاني 852 / 23 حزيران / 2 تموز 1448.[12] كلف الوالي طانام مين عبد الرزاق بالعمل وموله الخواجة شهاب الدين أحمد الملاطي ومحب الدين ابن الشحنة. وقد شارك في هذه التجديدات مهندس معماري رئيس (معلّم) ومهندس من القاهرة.[13] لكن القبو تصدّع مرة أخرى كما حدث في الجدار الشمالي والقبوات عام 873 / 1468-1469.[14] وهب الحاج محمد بن صفا بعض الأموال التي أعيد بناء الجدار الشمالي بها فيما بعد.[15]
كان الرواق الشمالي في الأصل مؤلفاً من صحن واحد به ثلاثة أجنحة وكان مغطى كالرواقين الآخرين بعقود متقاطعة.[16] ومع ذلك، فقد تمت إزالته ولم يتبق سوى جداره الخارجي قائماً، ربما في النصف الأول من القرن السادس عشر.[17] في عام 1320/ 1902 أضيف بناء صغير في الركن الشمالي الشرقي للصحن، يشتمل أيضاً على أجزاء من الرواق الشرقي، (الشكل 17). يرجع عبد الرازق إلى الطبّاخ في إشارة إلى أن هذا المبنى تم إنشاؤه وتمويله من قبل التاجر الحلبي الثري المسمى بكير، عندما جاء صوفي اسمه الشيخ رجب إلى حلب وقرر الإقامة في ذلك الجامع.[18]
الصحن غائر أو بالأحرى أرضيات الأروقة مرتفعة قليلاً. وأرضيته مزينة بخمسة مربعات من الرخام المطعّم. توجد بركة ماء كبيرة في وسط الصحن.
يتميز الجزء الخارجي من الجامع بالحجر المنحوت، باستثناء بواباته المزخرفة والمئذنة. البوابة الرئيسة مدمجة في الواجهة الشمالية (الشكل 3). يقع على جانبي المدخل دكتان مزينتان بحليات معمارية. تم تزيين الجدار الخلفي للبوابة حتى ارتفاع الباب بالحجارة وفقاً لتقنية الأبلق، أي طبقات متناوبة من الحجارة المنحوتة السوداء والبيضاء. تم حفر ثلاثة أسطر من النقوش في إطار تزييني فوق عتبة الباب، تذكر اسم راعي الجامع (انظر أعلاه). ثلاثة أسطر كتابية محاطة بحلية دائرية عليها نقوش بارزة لأزهار تليها في الأعلى وتخلد ذكرى مساهمة حاتم الحمزاوي في الجامع في رجب 927 / حزيران 1521.[19]
توجد أعلى ذلك لوحة مربعة بنقش كوفي في وسط قبو ذي مقرنصات خماسية النطاقات (الشكل 18). تعلوه الطاسة التي تتكون من أحجار الأبلق بشكل شعاعي باللونين الأحمر والأبيض. زينت عناصر المقرنصات العلوية في الزوايا وكذلك الجانب الأمامي من القلنسوة بنقش مسطح يظهر أقواساً متشابكة. لوحة أخرى مربعة لنقش كتابي كوفي موضوعة في وسط الطاسة.
الشكل 18: قمة البوابة في الواجهة الشمالية [مصدر الصورة: © 2007 ميريام كون]
تم إدخال بوابة ثانية في الجزء الشمالي من الواجهة الشرقية، ولم تعد مرئيّة اليوم بسبب المباني المجاورة التي حجبتها.[20]
ومع ذلك تم توثيق الجزء العلوي من البوابة في صورة تاريخية بواسطة كريسويل (الشكل 5). تم فصل البوابة عن باقي الواجهة بإطار زخرفي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن رؤية لوحة مربعة بخط كوفي مربع، تقع تحت قبوة من ستة نطاقات من المقرنصات وتحيط بها أربع حليات تشبه تلك الموجودة على البوابة الشمالية.[21]

 

الشكل 19: المئذنة. التراث السوري [مصدر الصورة: © 2005 فولفغانغ ماير]
تقع المئذنة الأسطوانية في الزاوية الشمالية الشرقية للجامع (الشكل 19). ثلاث لوحات كتابية مستطيلة محاطة بإطار تزييني تشغل عرض قاعدة المئذنة، مقحمة في جوانبها الشرقية والغربية والشمالية (الشكل 2). تليها في الأعلى منطقة انتقالية مثمنة الأضلاع، حيث يتم وضع عمود المئذنة. وتقسم أفاريز أفقية هيكله إلى أربع طبقات وقمة. يتكون الإفريز السفلي من سطر واحد من عناصر مقرنصية. يلي ذلك إفريز من سعف النخيل. يتكون الإفريز الثالث من سطرين من عناصر مقرنصية. يدعم الجزء العلوي إفريز مقرنصات متعدد الزوايا.
تم إدخال ساعة شمسية في الجزء السفلي من المئذنة. يسجل عبد الرازق اسم الحرفي المذكور في نقش يعلوها: محمد التيزيني، مواليد تيزين، وهي مدينة صغيرة في منطقة حماة، عام 818 /1415 ت 911 /1505.[22] من الواضح أنها أُضيفت لاحقاً إلى المئذنة. تم تزيين جدران الطبقة الثالثة بأربع حليات دائرية فوقها أربع نوافذ مستطيلة بإطارات تزيينية في الطابق الرابع. يتميز الجزء العلوي من المئذنة بقطر أصغر وهو ثماني الأضلاع. تم تدمير أجزاء كبيرة من الجزء العلوي من المئذنة في السنوات الأخيرة. تم قصفها عدة مرات في عام 2013.[23]