لمحة تاريخية

بقلم شتيفان كنوست

[مصدر الصورة: © لمياء الجاسر 2008]
الشكل 1: جامع المهمندار، منظر عام [مصدر الصورة: © لمياء الجاسر 2009]
يقع جامع المهمندار[1] (الشكل 1) في حي سويقة علي الذي كان يشكل تقليدياً المحور الرئيسي الذي يربط منطقة السوق المركزي (المركز الاقتصادي لحلب) بالضواحي الشمالية خارج باب النصر. في نهاية القرن الخامس عشر، تم تنفيذ مشاريع مهمة في البنية التحتية، وبشكل أساسي إنشاء شبكة جديدة للمياه في تلك المنطقة خارج بوابة المدينة، وأرست الأساس لتطويرها في القرون اللاحقة. في العصر العثماني، أصبحت المركز الاقتصادي الثاني لحلب، وخاصة بالنسبة لصناعة النسيج، وانتشر فيها عدد من الخانات والقيساريّات.
في العصر المملوكي، اختار الوجهاء والأمراء وغيرهم من الشخصيات البارزة إقامة مساكنهم في سويقة علي. ونتيجة لذلك، انتشر فيها عدد من القصور الفسيحة، وخاصة في المنطقة الواقعة على يمين ويسار الشارع الرئيسي. استمر ذلك في العصر العثماني. على سبيل المثال، موسى آغا الأميري وربما كان التاجر الأكثر ثراءً في حلب في القرن الثامن عشر، بنى مسكنه هناك. بسبب الأهمية الاقتصادية المتنامية للسويقة، تحولت بعض المساكن المملوكية هناك إلى منشآت تجارية خلال العصر العثماني[2].
قد يكون للتنمية الاقتصادية والاجتماعية جانب ديني. وهكذا شهدت السويقة أيضاً تأسيس المؤسسات الدينية، والتي سنختار من بينها مؤسسة الجامع.  يتطلب هذا التطور المثير للاهتمام بعض الشرح الأولي. تقتضي العقيدة في الفقه الإسلامي - وفق مدرسة الفقه الشافعي التي لم تتوقف أبداً – ضرورة أن يتجمع كل المصلين في المدينة (أي كل المسلمين الذكور البالغين) لأداء صلاة الجمعة في نفس الجامع. تمت مراعاة هذه القاعدة - بشكل أكثر أو أقل صرامة - حتى نهاية العصر الأيوبي في منتصف القرن الثالث عشر. فضّل المماليك المذهب الحنفي للفقه، وبعد توليهم السلطة في مصر وسوريا، طوّروا موقفاً أكثر واقعيّة. ومع الأخذ في الاعتبار نمو المدن والجماعات المسلمة داخلها، فقد سهل ذلك بناء الجوامع في أجزاء مختلفة من المدينة. بالرغم من ذلك، وحتى في العصر المملوكي، ظل بناء الجامع الجديد في العادة امتيازاً لسلطان أو أمير رفيع المستوى. كما ذكرنا سابقاً، استقطبت سويقة علي عدداً من وجهاء المماليك الذين شيّدوا مساكنهم فيها، وشهدت تأسيس جامع واحد جديد هو: جامع المهمندار. ويبدو أن هذا الجامع أنشئ على مرحلتين: في عام 702/ 1303، أسس الأمير المملوكي الحسين حسام الدين بن بلبان المعروف بـ "ابن المهمندار" الجامع، ووهب له وقفاً كبيراً يضم أراضٍ في قرى ومطاحن وحمام خارج باب الجنان والقصر (البيت) المقابل للجامع[3]. في المرحلة الثانية، بعد حوالي خمسين عاماً، كما يعتقد ماينيكة استناداً لشواهد الطرز المعمارية، تمت إضافة المئذنة مع المدخل إلى الجامع[4].
وقفان كبيران آخران من عامي 852 / 1448-49 و 868 / 1463-64 ضما أراضٍ في عدد من القرى في منطقة حلب إلى الوقف واشترطا تلاوة القرآن ومعلِّم للسنّة الشريفة (الحديث)[5].
يبدو أن أحفاد المؤسس ابن بلبان احتفظوا بصلات مع الجامع وشغلوا مناصب فيه مثل يوسف بن أحمد (توفي عام 934/ 1527) وكان مؤذناً كأبيه من قبل وخلفه ابنه من بعده.[6]