الزاوية والمدينة

[مصدر الصورة: © 2007 شتيفان فيبر]

عند النظر في علاقة الزاوية بالفراغ العمراني، فإننا قادرون على تمييز جوانب ومستويات مختلفة للإرتباط. كانت الزاوية بالتأكيد مركزاً دينياً مهماً لحي الجلوم، لكن وثائقنا توحي أن أهميتها تجاوزت ذلك بكثير. قد نشدد هنا على جانبين، الأول يتعلق بأتباعها. فعلى عكس مساجد الأحياء التي كان أفرادها يسكنون عادةً بالقرب من المسجد، بدا أن مجتمع الزاوية الهلالية قد توزع على المدينة بأكملها. ويتضح ذلك من توزيع ممتلكاتها الوقفية والتي تنتشر في جميع أنحاء النسيج الحضري. ينتمي بعض المؤسسين إلى عائلات بارزة، مثل عائلة طه زاده (مؤسسوا مدرسة الأحمدية) أو الحموي زاده (المرتبطون بجامع الحاج حسن الحموي في حي البياضة). لم يكتف هؤلاء المحسنون بوقف الأملاك للزاوية، ولكنهم في بعض الأحيان وضعوا شروطاً مفصلة في الوقفيات (مواثيق الوقف) حول كيفية إنفاق العائدات. حيث نجد أحكاماً عامة، مثل تخصيص الأموال لإحتفالات الخلوة (وقف طه بن عمر طه زاده)، ولكن أيضاً مواصفات دقيقة للغاية، كتلك الخاصة بيوسف عربي كاتبي، الذي يقرر أن على الشيخ إبراهيم الهلالي أن يعطي درساً في الفقه خمسة أيام في الأسبوع في الجامع الأموي (راجع مقالة الجامع الأموي) [11].

الجانب الثاني من العلاقة الذي يجب أخذه بعين الاعتبار يتعلق بدور الزاوية في شبكة المؤسسات الصوفية في المدينة. لقد ذكرنا بالفعل أن أحد أسباب النجاح الذي حققته الزاوية الهلالية لعدة قرون هو ارتباطها بعائلة، وبالتالي يتم الجمع بين النسب الأبوي والروحي (السلسلة). تعد العلاقة بين الشيخ والمريد في التصوف مهمة للغاية. استقطب مختلف شيوخ الهلالية عدداً من الأتباع من داخل حلب وخارجها. غادر بعضهم بعد الانتهاء من تعلمهم في الزاوية بإجازة (دبلوم) تخولهم بتدريس مبادئ الفرقة والاحتفال بالذكر والخلوة وفقًا لتقاليد الزاوية الهلالية. الشيخ سعيد اليمني على سبيل المثال، هو من أصول يمنية، وقد قدم إلى حلب في عام 1174 / 1760-61 وأصبح مريداً للشيخ محمد هلال الهلالي. بعد تلقيه الإجازة، بدأ بإحياء الذكر في جامع المشاطية في بنقوسا، في الضاحية الشمالية الشرقية. يقع قبره في قبلية الجامع (قاعة الصلاة). قام خلفه الشيخ عبد القادر الناشد ببناء زاوية صغيرة في فناء الجامع [12]. قام أحد مريدي الشيخ إبراهيم الهلالي، وهو الشيخ سعيد البادنجكي، بتأسيس زاوية في المدرسة الطرنطائية التي تعود للقرون الوسطى في حي محمد بك خارج الاسوار في الجنوب الشرقي، حيث توفي ودُفن في عام 1250 / 1834-1835 [13]. كانت الزاوية البدانية هي آخر مؤسسة في حلب على حد علمنا، حيث كانت الخلوة لايزال يحتفل بها في التسعينيات. 

على حد علمنا، لقد كانت الزاوية البادنجكيّة هي آخر مؤسسة دينية ماتزال يحتفل فيها بالخلوة في التسعينيات [14]. 

تشكل المؤسسات الإسلامية الصوفية جزءاً مهماً وواضحاً من المشهد الديني في حلب حتى يومنا هذا مع طقوسها ولاسيما الذكر، والتي تكمل المساجد بالطقوس الدينية. على عكس العديد من مساجد الأحياء الصغيرة، كان أتباعها في كثير من الأحيان - على الأقل من المصادر التي تخبرنا بذلك - ليسوا من حي واحد، ولكن من جميع أنحاء المدينة، مما يؤكد طابعها العابر للأحياء بشكل عام.

الحواشي

[12]  كنوست، تنظيم، 258-260

[13]  كنوست، تنظيم، 261

[14]  كنوست، تنظيم، 261

[15]  مشاهدات المؤلف في 1992