موقع الحي وسكّانه

منظر عام من الأعلى لبيت ذو فناء في بنقوسا في مدينة حلب القديمة [مصدر الصورة: © 1989 آنيتة غانغلر]
تقع بانقوسا خارج السور الشرقي للمدينة مباشرة (الشكل 1). منذ مئات السنين، كان هناك طريق تجاري مهم يؤدي من المركز باتجاه الشرق إلى خارج المدينة، ويتفرع في نهاية المطاف في اتجاه الشمال الشرقي والجنوب الشرقي. يوجد اليوم طريق عام يحد المنطقة من الشمال، بينما يحد الغرب محور السور الشرقي للمدينة وهو ما يسمى اليوم شارع باب الحديد. على طول هذا الطريق المتجه شرقاً، تطورت ضاحية صغيرة بها حمامات وخانات وسوق مفعم بالحياة حول جامع بانقوسا الذي بني في عام 1368.
الشكل 1: خريطة لمدينة حلب القديمة توضح موقع بنقوسا شرقاً [مصدر الصورة: © 1993 آنيتة غانغلر]
يخدم هذا السوق كلاً من السكان المحليين وسكان الريف الذين يذهبون باستمرار إلى المدينة للحصول على حاجياتهم، ويمرون بالمكان عند عودتهم إلى قراهم في اتجاه منبج أو الرقة. تنتظر سيارات الأجرة العمومية يومياً الركاب أمام الجامع. تتكون التجارة إلى حد كبير من المنتجات والاحتياجات الزراعية. على النقيض من ذلك، فإن معظم مناطق جب قرمان، وهو الجزء الجنوبي من منطقة الدراسة، تتميز بالاستخدامات السكنية البحتة، والتي تطورت حول مسجد البكري.

جب قرمان

تم القيام بجرد مفصل لمنطقة جب قرمان بيتاً بيتاً، والتي كان يسكنها في نهاية الثمانينيات ما يقرب 1400 نسمة. في ذلك الوقت، كانت غالبية السكان من الطبقة المتوسطة، ومعظمهم قد ولدوا في تلك المنطقة أو انتقلوا إليها من المناطق الريفية الشرقية. والرجال العاملون كان منهم التجار (28٪) والحرفيون (24٪) وموظفوا الدولة والمعلمون (15٪). شكل الجزّارون نسبة كبيرة نسبياً (13٪) لأن مسلخ حلب كان يقع في منطقة قريبة جنوباً. تقوم نسبة صغيرة من النساء (10٪) بالعمل في الخياطة والتطريز في المنزل. كما أظهرت الدراسة أن البيوت ذات الفناء كانت أقل سكناً من قبل الأسر العائلية الممتدة، ولكن أكثر فأكثر من قبل الأسر النواة (الأسرة الأولية).

البنية العمرانية للحي

تتميز بنية الحي بترتيب البيوت ذات الفناء بشكل متجاور بحيث يمكن الوصول إليها من خلال الأزقة والطرق المغلقة النهايات. يشكل كل نظام من الطرق المغلقة النهاية ما يعرف بالحارة، أي التجمعات التي تتميز تقليدياً بالقرابات العائلية.
ربما كان الحي مأهولًا بالفعل خلال فترة ما قبل الإسلام، لكنه أصبح أكثر أهمية في القرن الثالث عشر، أثناء حكم المماليك. يمكن إرجاع تاريخ التصميم الأصلي للبيت ذي الفناء إلى فترة الشرق الأدنى القديم، ولكن لا يمكن تتبع المباني الموجودة في الحي إلى أبعد من 300 عام. يتميز أسلوب البناء هذا بجدران خارجية مصمتة على حدود العقار وترتيب الغرف نحو الفناء الداخلي. وبالتالي يمكن اعتبار جدران الفناء الداخلي كواجهات. نظراً لأن الجدران الخارجية مغلقة إلى حد كبير، يمكن بناء البيوت ذات الفناء بحيث يلاصق أحدها الآخر.
بيوت حلب السكنية التقليدية مبنية من الحجر الكلسي الذي يأتي من مقالع محليّة. يمكن تكيف البيوت ذات الفناء بمرونة لتناسب الوضع الاقتصادي المختلف لأهل المدينة وللتغيرات في الظروف المعيشية للوحدات العائلية. على مر السنين - وأحياناً القرون - ربما تم تقسيم المباني الفردية في البنية العمرانية المعقدة أو توسيعها أو هدمها أو إعادة بنائها، اعتماداً على الظروف الاجتماعية والاقتصادية. في سياق هذا التطور، قد يتم نقل المداخل الرئيسة. حصلت العديد من البيوت على مظهرها وشكلها الحاليين في فترات البناء المختلفة - عادة بدون مشاركة المهندسين المعماريين، فقط من قبل حرفيي البناء.

المباني ذات الأرقام المساحية 2110 و2111

الشكل 2: مخطط الطابق الأرضي للبيوت 2110 و 2111 [مصدر الصورة: © 1993 آنيتة غانغلر]
يمكن ملاحظة هذا النوع من التعديلات في بيتين متجاورين بأرقام مساحية 2110 و2111. حوالي عام 1900، عاشت عائلتان بينهما قرابة في هذه البيوت، مع وجود سبع عائلات أخرى في المنطقة المجاورة مباشرة. في أواخر عام 1930، كان كلا المبنيين مملوكين من قبل رجل تركهما لزوجته وابنته وثلاثة أبناء. في عام 1949، تم بيع المنزل 2111 لعائلة أخرى. في وقت زيارتنا في عام 1987، كان أحفادهم يعيشون في المنزل كعائلة موسّعة، تتكون من الجدود وابنة وابن متزوج مع عائلته.
في عام 1942، تم بيع المنزل 2110 لمالك جديد، وانتقلت ملكيته منه إلى ثلاث نساء وأحد عشر ابناً وست بنات في عام 1987. من بين هؤلاء، كان هناك ابنان في المنزل مع زوجاتهما وسبعة أطفال في عام 1987.[1]
يتكون كلا العقارين من بيوت صغيرة ذات فناء من أزمنة مختلفة والتي تميّز الحيّ (الشكل 2). وتقع إلى الشمال الغربي من جامع البكري، ويمكن الوصول إليها من طريق قصير ذو نهاية مغلقة وتشكل حارة مكونة من أربع عقارات صغيرة نوعاً ما تتراوح مساحتها من 180 إلى 230 متر مربع (الشكل 3).
الشكل 3: مساحة عقارات البيوت [مصدر الصورة: © 1993 آنيتة غانغلر]
فقط الأجزاء التي تعود للفترة ما بين عامي 1700 و1850 من البيت 2111 لم تتغير (الفترة 1 موصوفة أدناه؛ انظر الشكل 4).
الشكل 4: الفترات الزمنية لحي جب قرمان [مصدر الصورة: © 1993 آنيتة غانغلر]
يتألف المبنى اليوم من فناء كبير غائر نسبياً مع بئر، ويمكن الوصول إليه من الزقاق. يؤمن الفناء الوصول إلى أربع غرف، وجميعها مبنية بأنماط مختلفة، مما يشير إلى أنها شيدت في فترات مختلفة. يتكون الجزء الشرقي من البيت من جزء أقدم مع سقف مقبب وهيكل مؤلف من طابقين شيّدا حديثاً (الشكل 5). يتألف القسم الغربي من غرفتين من طابق واحد يتم الوصول إليهما من الفناء (الشكل 6- 9). يؤرخ البناء نقش فوق المدخل يعود لعام 1888، مما قد يوحي إلى أنه لم يكن المدخل الأصلي.
الشكل 5: مقطع 1-1 للبيوت 2110 و 2111 [مصدر الصورة: © 1993 آنيتة غانغلر]
الشكل 6: مقطع 3-3 للبيوت 2110 و 2111 [مصدر الصورة: © 1993 آنيتة غانغلر]
الشكل 7: البيت 2111 [مصدر الصورة: © 1989 آنيتة غانغلر]
الشكل 8: البيت 2111 [مصدر الصورة: © 1989 آنيتة غانغلر]
الشكل 9: البيت 2111 [مصدر الصورة: © 1989 آنيتة غانغلر]
الشكل 10: مقطع 2-2 للبيوت 2110 و 2111 [مصدر الصورة: © 1993 آنيتة غانغلر]
في الجنوب، يتميز المبنى المجاور 2110 بأسلوب بناء موحد من الفترة ما بين عامي 1850 و1900 (الفترة 2). ربما قد تم تشييده في نفس وقت تشييد مدخل البيت 2111 المذكور أعلاه. ويتكون من فناء أصغر قليلاً على نفس مستوى الزقاق، وتحده غرف من جهات ثلاث. يتكون القسم الشرقي من البيت من طابقين، في حين يسيطر على الجزء الجنوبي المكون من طابق واحد إيوان أصغر (الشكل 10).
يحتوي القسمان الشمالي والجنوبي من البيت على قبو مقبب أسطوانياً وتتم إنارته وتهويته بواسطة نوافذ صغيرة تطل على الفناء (الشكل 11- 13). يتوافق التصميم الداخلي البسيط المقسّم بالنوافذ والفجوات الجدارية مع تصميم الواجهة.