قناق الجزار

[مصدر الصورة: © 1983 جان-كلود دافيد]

لمحة تاريخيّة

لدينا وصف تفصيلي للمنزل من سند وقفي مدوّن في سجلات المحكمة الشرعية بحلب بتاريخ 22 شباط 1859 (18 رجب 1275). [1]
وُلِدَ مؤسس الوقف أحمد أغا بن عبد الرحمن آغا سياف زاده الجزّار عام 1203 / 1788-89 عندما كان أحمد باشا الجزّار مارّاً بحلب في طريقه إلى القسطنطينية بعد أن هزم جيش نابليون خارج أسوار عكا. والذي أقام في منزل والد المؤسس بحي الفرافرة. وتكريماّ للضيف حصل المولود على اسم أحمد واللقب (الكنية) "جزّار". وبعد خلاف عائلي، غادر أحمد أغا المنزل الواقع في حي الفرافرة واشترى المنزل الجديد في الجلّوم الذي يُرجح أن تشييده قد تم في النصف الأول من القرن الثامن عشر، انطلاقاً من هندسته المعمارية وعناصره الزخرفية.[2]

الموقع والشبكة العمرانية

الشكل 10: قناق الجزّار ضمن النسيج العمراني لجي الجلّوم [مصدر الصورة: © 2007 شتيفان كنوست]
يقع قناق الجزّار في حي الجلّوم في الجزء السكني من تلك المنطقة على الزقاق المؤدي إلى باب قنّسرين. (الشكل 10) بالنظر إلى حجمه وشكله، فهو ينتمي إلى المساكن، المسماة سراي أو قُناق، لقلّةٍ من العائلات البارزة، سواء أكانت تشغل مناصب رفيعة في الخدمة العثمانية أو التجار الأغنياء أو محصّلوا الضرائب، وأحيانًا الثلاثة معاً. يتطلب وضع الأسرة قسماً منفصلاً من المبنى محجوزاً للتواصل مع أشخاص من خارج العائلة، بالإضافة إلى القسم الخاص بالعائلة، وأحيانًا قسم للخدمة.
في حالة قناق الجزّار، تم ضم الأقسام المختلفة وتشكيلها معاً في مسكن جديد على الأرجح عندما انتقلت عائلة الجزّار في منتصف القرن التاسع عشر تقريباً.[3]

مخطط المسقط

الشكل 11: قناق الجزّار، مخطط المسقط [مصدر الصورة: © 2018 جان-كلود دافيد]
المدخل إلى القناق هو باب متواضع إلى حد ما على الزقاق المؤدي إلى باب قنّسرين في الجانب الشرقي من البرّاني (الجزء الخارجي، المعروف أيضاً باسم قناق)، أي الجزء العام من المسكن. يعتمد الوصف على سند الوقف لعام 1275/ 1859 عندما كان المؤسس يعيش في المسكن. (الشكل 11) وبدءًا بالبرّاني: يتكون من غرفتين (اوضه) في الجانب الشمالي وغرفة واحدة (اوضه) في الجانب الغربي. يتكون الجانب الشرقي حيث يقع المدخل من عدة أقسام. قبو واحد به ثلاث غرف (اوضه) واصطبل، وكذلك غرفة لتحضير القهوة (اوضه أوجاق قهوه). على رأس هذا القسم والأكثر أهمية في البرّاني يمكن الوصول إليه عن طريق الأدراج، وهو "الديوانخانه"، أي مكان استقبال الضيوف. (الشكل 12) يتكون من ثلاث غرف، في إحداها دخلتان أو تجويفان، جميعها بسقف خشبي. يمكن تزويد البرّاني بالمياه العذبة من "قناة حلب" (نظام تزويد المياه القديم في حلب) لتغذية خزّانه (الحاصل) والنافورة (البركة) في الفناء.
الشكل 12: قناق الجزّار، الديوانخانه والشرفة [مصدر الصورة: © 1983 جان-كلود دافيد]
يتكون الجوّاني (الجزء الداخلي) أو الحرم من طابقين. يبدأ الوصف كالمعتاد بالجانب الجنوبي (القِبلة)، حيث نجد الإيوان مع دخلتين أو تجويفين، ويوجد فوق أحدهما المربّع. (الشكلان 13- 14)
يشغل الجزء الأكبر من الجانب الشرقي قاعة بها ثلاثة أواوين. توجد في وسط القاعة نافورة متصلة بإمدادات المياه العذبة للمنزل. (الشكل 15) (الأشكال 16- 18). يوجد مطبخ (به قسطل وغرفة لتخزين الفحم والحطب) شمالي القاعة. فوق المطبخ نجد مصيف مرصوف (مُبَلّطْ). يتم الوصول إلى المطبخ والمصيف أيضاً من الديوانخانه في البرّاني. على الجانب الشمالي توجد غرفتان (بيت) مع دخلة أو تجويف في كل منهما. توجد غرفتان على الجانب الغربي، أسفل الكهف (المغارة). تحتوي باحة فناء الحرملك المرصوفة على نافورة (بركة) مع صهريج تغذية من قناة حلب، نظام إمداد المياه القديم، وحديقة بها بعض الأشجار بالإضافة إلى منصّة مبلّطة (المصطبة) (الشكل 19).
أما الجزء الثالث من المبنى، والذي تسميه الوثيقة "خِربة"، ويقع إلى الغرب من الحرملك، فيتكون فقط من ثلاث دخلات أو تجاويف. وكان أحمد آغا قد ذكر في سنده الوقفي عزمه على تحويل هذا الجزء إلى حديقة.
الشكل 15: قناق الجزّار، القاعة، الواجهة [مصدر الصورة: © 2007 شتيفان فيبر]
الشكل 16: قناق الجزّار، القاعة، الداخل [مصدر الصورة: © 2007 شتيفان فيبر]
الشكل 17: قناق الجزّار، القاعة، القبّة [مصدر الصورة: © 2007 شتيفان فيبر]
الشكل 18: قناق الجزّار، القاعة، تفاصيل الزخرفة [مصدر الصورة: © 2007 شتيفان فيبر]
الشكل 19: قناق الجزّار، فناء الجوّاني مع المصطبة [مصدر الصورة: © 1983 جان-كلود دافيد]

أهمية خاصّة

كلا القصرين، سراي جانبلاط وقناق الجزّار، يشهدان على العمارة المنزلية في حلب في أوقات مختلفة من الفترة الحديثة المبكرة. وبينما تغطي الهندسة المعمارية لسراي جانبلاط - في حالتها السابقة قبل التدمير الأخير - الفترة من أواخر القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، فإن قناق الجزّار يمثل مكان السكن لعائلة بارزة في القرن الثامن عشر / القرن التاسع عشر.
ومع ذلك، فإن كلا القصرين يشهدان كذلك على التحولات التي أدت إلى الإهمال والمصادرة في القرن التاسع عشر. جرى التخلي عن كليهما وبيعهما من قبل المالكين الذين ابتعدوا عن المدينة القديمة المزدحمة إلى الضواحي "الحديثة" فتم استخدامهما لأغراض أخرى غير السكنية.