الموقع والشبكة العمرانية

[مصدر الصورة: © 2011 عصام حجار]

يقع مسجد شرف في الجزء الغربي من الضاحية الشمالية لمدينة حلب، والمعلومات عن هذا الجزء من حلب قبل فترة المماليك نادرة. كانت الضاحية موجودة في العصر الأيوبي على الأرجح، حيث أن المؤرخ ابن شدّاد يذكر حي الهزّازة خارج الأسوار والذي ربما كان يقع في نفس مكان وجود الحي الحديث الذي يحمل نفس الاسم.[1]

تغير مسار هذا الجزء بعد ذلك من حلب بفعل مشروع كبير للبنية التحتية الحضرية: ففي العقود الأخيرة من القرن الخامس عشر، تم إنشاء شبكة مياه جديدة تمتد من الشرق إلى الغرب عبر الضاحية الشمالية وزوّدت عدداً من المساجد، فضلاً عن الحمامات العامة والمنازل الخاصة بالمياه العذبة من شبكة إمداد المياه في حلب. 

يرجع نظام إمداد المياه في حلب في الأصل إلى الفترة الرومانية، ولكن تم تجديده وتوسيعه بشكل كبير من قبل الأيوبيين، وبشكل خاص من قبل السلطان الظاهر غازي، ابن صلاح الدين، الذي حكم حلب من 582/ 1186 حتى وفاته في 613/ 1216. في العصور المملوكية والعثمانية لاحقاً، كان حكام المدينة وغيرهم من الأثرياء يشاركون في توسيع النظام، بالتفرع إلى أجزاء جديدة من المدينة من خلال إنشاء أنابيب جديدة ونوافير عامة جديدة. كان بُردبك السابق ذكره مسؤولاً عن التدخل الأكثر أهمية في البنية التحتية في حلب المملوكية. لا يوجد لدينا الكثير من المعلومات عن الشخص الذي ابتدأ هذا المشروع، وهو بُردبك بن عبد الله. هناك نقش يدعوه "تاجر المماليك"، مما يعني أنه كان متورطاً في تجارة الرقيق التي وفرت العبيد الجدد (المماليك) للدولة. كان تجار المماليك هؤلاء في كثير من الأحيان من كبار الأمراء (وبالتالي هم أنفسهم مماليك)، وفي كل الأحوال من الشخصيات المهمة والثريّة.[2] وعلى امتداد أنبوب المياه الجديد، تم بناء النافورات العامة  (القسطل، ج قساطِل) مع وصلات إلى المساجد عادةً، والتي أمّنت في هذه الحالة وصولاً متساوياً إلى إمدادات المياه العذبة. قام بُردبك نفسه بترميم وتوسيع مسجد قسطل الحرامي، وهو مشابه جداً في الحجم والأهمية لمسجد شرف.

في نفس الفترة تقريباً، نلاحظ وجوداً مكثّفاً للمسيحيين مع كنائسهم في الجزء الغربي من الضاحية الشمالية. يتحدث المؤرخ ابن الشحنة بالفعل عن حي مسيحيّ والذي يدعوه الجديدة (الحي الصغير الجديد) في ذلك المكان. بين منتصف القرن الخامس عشر والعقد الأول من القرن السادس عشر - قبل الفتح العثماني - يمكننا ملاحظة بناء أو تجديد كنائس للطوائف المسيحيّة الرئيسة الأربع (الأرمنية والمارونية والأرثوذكسية والسريانية). يستمر هذا التطور في العصر العثماني، ويزداد [3] ، كما يتجسد - ولو فقط في الأسطورة – في قصة أربعين عائلة مسيحية أعيد توطينها في حلب من قبل السلطان العثماني سليم بعد فتح المدينة في عام 516، والمحفورة في تاريخ حلب باسم أحد أحيائها: زقاق الأربعين. [4]