الأهمية المعمارية والتاريخية

[مصدر الصورة: © 2011 عصام حجار]

تراجعت التجارة الدولية في حلب في القرن السابع عشر لأسباب متعددة وانتقل مركزها إلى مدن أخرى كبورصة وازمير. [16] ورغم انتعاشها التدريجي في النصف الثاني من القرن إلا أنها لم تعد إلى سابق عهدها وازدهارها الذي كان في القرن السادس عشر. أثرت هذه الظروف سلباً على المنطقة التجارية المركزية في حلب "المدينة" حيث تباطأ نموها العمراني وتحول اهتمام الولاة العثمانيين إلى انشاء المجمعات الكبيرة في ضواحي المدينة عوضاً عن مركزها التجاري. إن هذا السياق يكسب خان الوزير أهمية تاريخية كونه الخان الوحيد الذي أنشئ في المركز التجاري خلال القرن السابع عشر مضاهياً بحجمه وغناه المعماري ودوره الوظيفي الخانات الشهيرة التي تم بناؤها خلال القرن السادس عشر. إضافة إلى ذلك، كان خان الوزير آخر المنشآت العثمانية الكبيرة التي بنيت في المركز التجاري من قبل رجال الدولة العثمانيين الذي لا توجد لهم صلات عائلية في حلب وذلك قبل ظهور الأعيان المحليين كرعاة رئيسيين للحركة العمرانية في القرن الثامن عشر.

إن المخطط المعماري لخان الوزير اتبع إلى حد كبير الخطوط الأساسية لتصميم الخانات الأخرى في حلب وفي جميع أنحاء الدولة ولكنه يتميز عنها بجودة البناء والحرفية العالية في معالجة التفاصيل المعمارية. بشكل مماثل فإن واجهات الخان المتقنة تعكس العديد من تقاليد وعناصر البناء المحلية كاستخدام صفوف الأحجار الملونة المتناوبة (نظام الأبلق) وإبراز واجهة المدخل وتكوينها المعماري واستخدام الرنوك الزخرفية المملوكية. وكما تم توضيحه خلال الوصف المعماري للخان فإن االأمر الذي يستحق التنويه في تصميم واجهات خان الوزير هي أنه قد تم استخدام مجموعة العناصر المعمارية والزخرفية التي استخدمت سابقا في خان الجمرك مع إضافة جديدة تتمثل في الرنوك التي تحوي أسوداً منحوتة. لذلك تمثل واجهات خان الوزير خطوة إضافية في عملية "العثمنة" التي عرفتّها واتنبوغ بأنها استعارة العمارة العثمانية لعناصر من العمارة المحلية للمدينة ودمجها في سياقات معمارية ووظيفية جديدة. [17] وقد تم تطبيق هذا التوجه بشكل خاص مع العناصر المعمارية والزخرفية المملوكية كونها الفترة الأقرب زمنياً للفترة العثمانية. يتميز أيضاً خان الوزير بكونه بناء منفصل عن نسيج الأسواق المغطاة مما يوفر رؤية واضحة لحجمه الضخم وواجهة مدخله الجميلة بدون عوائق, الأمر الذي تفتقده بقية خانات المركز التجاري الكبيرة. تعززت هذه الميزة بعد إزالة القيسارية التي كانت تقع قبالة مدخل الخان. حيث تلفت اليوم واجهة الخان الفخمة الأنظار على الفور وتشكل مع الواجهات المزخرفة للمدرسة الصاحبيّة (1349) والمطبخ العجمي (يمكن أن يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر) الواقعين على مقربة من الخان معلماً عمرانياً مهماً في المنطقة التجارية المركزية.

رغم التدخلات العمرانية والتغيرات الوظيفية فإن خان الوزير مازال شاهداً حياً على عمارة وعمران مدينة حلب اللذين تطورا عبر الفترات التاريخية المتلاحقة. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات حول المهندس الذي أشرف على بناء هذا الخان، فإن جودة البناء تدعو إلى ترجيح مشاركة مهندس الولاية في تصميمه وبنائه.

الحواشي

[16] لمزيد من التفاصيل حول الظروف الاقتصادية في حلب خلال القرن السابع عشر وتباطؤ التجارة الدولية، انظر ماسترز، أصول الهيمنة الاقتصادية الغربية، 18-30

[17] واتنبوغ، صورة مدينة عثمانية، 209