كيف أصبح مبنى قسطل للعموم برجاً للساعة

تم تدشين برج الساعة المعروف في حلب في ربيع عام 1900 بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني العرش (الجلوس). وهو ينتصب فوق سبيل ماء للشرب (قسطل) تبرع به سلفه العظيم سليمان القانوني. إن ارتباط البرج بقسطل من القرن السادس عشر ليس مكانياً فقط؛ فقد اعتبر بنّاؤوه تجديد السبيل، أو القسطل، كخليفة شرعي لأنه كان حرفياً “علاوة" أو "ملحق للهبة التي سبق أن تبرع بها السلطان سليمان. ولذلك ينبغي النظر في وظائف القسطل والبرج وموقعهما داخل الجغرافيا الحضرية معاً.
في نهاية الحملة الفارسية في 940 هـ والتي استمرت عامين، عندما أقام سليمان في حلب للمرة الأولى (الأسبوع الممتد من 25-11 إلى 1-12 عام 1535) [1]، تبرع بقسطلٍ للعموم خارج الأسوار[2]. تم تضمين اسم السلطان ولقبه من نقش في المبنى الأول، بالإضافة إلى العام 940، في الكتابة العثمانية والعربية من عام 1318 / بدءاً من 1-5-1900، والتي تظهر قبل اسم عبد الحميد الثاني[3].
توجد هذه اللوحات المنقوشة أسفل النوافذ في الواجهتين الشمالية والجنوبية على التوالي:
1- لما كان المنهل الذي أنشأه ساكن الجنان حضرة السلطان سليمان.
2- الأول سنة تسعماية وأربعين حين قدومه إلى حلب قد أشرف
3- على الدثور لتقادم عهده فسعى خلافة مولانا المعظم حضرة السلطان
4- ابن السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني جدد
5- من أصله مع علاوة عليه الساعة فوقه وذلك سنة ألف
6- وثلاثمائة وسبع عشرة بعد الهجرة كتبه صادق[4]
 
لطالما كانت المنطقة الواقعة أمام باب الفرج، أهم أبواب المدينة، مكاناً يحب أفراد الطبقة الأرستقراطية التسكع فيه طويلاً[5]. بعد حوالي 40 عاماً من التبرع بالقسطل، ذكر ليونهارت راوولف "بيت المتعة" (كشك) للسلطان يقع على بعد ميل واحد خارج المدينة[6]. قد نربط هذا المبنى بشكل شرعي بحديقة القصر التي رسمها نصوح مطراقجي (الذي شارك في الحملة الفارسية 940-942 / 1533-1536)[7].
وصف "أوليا چلبى" المدينة في أواخر القرن السابع عشر[8]. وتحدث عن نظام قنوات المياه وتفرعات التوزيع التي تم بناؤها في عهد سليمان عام 1547/ 48:
مياه الحياة للظمآن تسمى القسطل: تأتي المجاري المائية من الفرات. لقد خربت على مر السنين، وعندما عاد سليمان خان من الحملة الفارسية، عمل على تنظيف وإصلاح قنوات المياه من نهر الفرات خلال المعسكر الشتوي (مشتى) في حلب. لقد أطفأ ظمأ مدينة حلب بالمياه الرحيمة وبنى القساطل في سبع وعشرين موضعاً. أروعها (أكثرها كلفة) هو القسطل الجميل المتصل بحوض وفقاً للطقوس الشافعية [التي لا تفرض الماء المتدفق] لإرواء العطش. إنه مبنى كبير أمام باب الفرج مع قبة حجرية، نمازگاه[9]. اصطبل للإبل وقبة صلبة. في هذا القسطل يمكننا قراءة التاريخ التالي، المكتوب بأسلوب "الجلي"[10].
بسم الله الرحمن الرحيم. أمر ببناء هذا السبيل الضخم السلطان والحاكم العظيم، صاحب الجلالة الأكثر احتراماً وكرماً، السلطان المظفّر، سليمان بن سليم خان، ابن بيازيد خان، ابن أبو الفتح غازي محمد خان. خلد الله ملكه وسلطانه[11].
كان وجود هذا القسطل معروفاً بشكل واسع حتى نهاية القرن التاسع عشر. في عام 1898، بُدِئ ببناء برج الساعة الحالي فوق المبنى المتهدّم، والذي لا يمكن التعرف عليه بسهولة في الصور والبطاقات البريدية التزيينية المعاصرة. وضع حجر الأساس للبرج في احتفال عام في 15 ربيع الأول 1316 هـ / 4 آب 1898 [12]م. وهذا يعني أن الأمر استغرق عامين تقريباً حتى اكتمل في ربيع عام 1900[13].
غطت جميع الصحف السورية خبر وضع حجر الأساس لبرج الساعة. كانت هذه المقالات هي مصادر السجلات المحلية لحلب. ووفقاً لها، فقد تم جمع 1500 ليرة عثمانية من خلال التبرعات، و600 ليرة من ميزانية البلدية (صندوق البلدية).[14] يجب أن تكون هذه ميزانية أولية، إذ أن 2100 ليرة تعادل تقريباً الدخل السنوي لموظف مدني عثماني عالي المرتبة، على سبيل المثال[15].
في نفس الوقت الذي أقيم فيه برج الساعة، تم بناء أبراج ساعات في أماكن أخرى في الإمبراطورية للاحتفال بذكرى اعتلاء عبد الحميد الثاني العرش[16]. في موقعين منها، بدأت أعمال البناء فقط[17]. وفي الموقع الثالث تم ترميم برج موجود[18]. ذكرت الصحف في العاصمة العديد من الأبنية الضخمة - خاصة المدارس والمستشفيات، وكذلك المنشآت العسكرية - التي تم تدشينها على شرف السلطان في جميع ولايات الإمبراطورية. في مقال بتاريخ 29 أغسطس 1900، ولم تكتف صحيفة "ترجمان-حقيقة" بذكر برج الساعة ولكن أيضاً المنتجات المصنوعة من قبل الحرفيين المحليين، مسلمين وغير مسلمين، لهذه المناسبة[19].
كما سبق ذكره، لم يتم وصف بناء برج الساعة على أنه بناء جديد ولكن على أنه "تجديد" بالعربي، و müceddedenbinaveihya  بالتركي للقسطل المتهدم. وكان الهدف من ذلك التخفيف من المزاعم القائلة بأن عبد الحميد، الذي دعي في النقش العربي بأنه خليفة سليمان، كان ينوي استبدال تبرع سلفه العظيم، وبالتالي تخفيض قيمته بشكل قانوني.
يمكننا أن نفترض أن مبادرة ترميم القسطل وبناء برج الساعة قد نشأت مع محمد رائف باشا (المدرب رائف) الوالي باشا 1836-1911 والذي شغل منصب الوزير منذ عام 1893، وبعد أن اكتسب خبرة في الإدارة المركزية والمحلية، خدم في حلب بين نهاية 1895 و 1900 [20].
كلف رائف تشارلز (شارتيه اڧںدى) ببناء برج الساعة. وكان قد سبق له أن عمل مع الفرنسي خلال فترة ولايته في بيروت (1885-1889)، حيث عيّنه كبير المهندسين في الولاية[21]. كان شارتييه خريجاً من الدرجة الأولى في مدرسة ليون الكبرى (1861) وقد خدم الإمبراطورية العثمانية على الأقل منذ عام 1884 [22]. خريطة مدينة حلب المعروفة، والتي تم إهداءها للباشا، تم إنشاؤها أيضاً أثناء خدمته في حلب[23]. راغب، الذي ذُكِر أنه شارك بالتأليف، كان ابن الباشا[24]. مبنى آخر للمهندس شارتييه هو مستشفى حلب (مشفى الغربا)، من عام 1897. يدرج الكتاب السنوي الإقليمي (السالنامة) عام 1315 بدءاً من 2-6-1897 1315 شارتيه كرئيس المهندسين بين الموظفين العموميين التقنيين في الولاية (me'murin-i fenniye) - Ser-i Mühendis Şartiye Efendi[25]
كان منصب كبير المهندسين في إدارة الولاية موجوداً منذ عام 1305 / بدءاً من 19-9-1887، وبعد ذلك (1310-1315) تم تعيين مساعد لصاحبه[26]. في عام 1316، تألف الفريق من كبير المهندسين (أيضًا باش مهندس) ومساعدين اثنين (معاون).  في عام 1317 هـ بدءاً من 12-5-1897 تسرد السالنامة اسماء الباش مهندس ومهندسين آخرين. وهكذا حلّ الفرنسي محل المعمارباشي الحاجي محمد آغا، الذي ورد في الكتاب السنوي 1307/1890 كرئيس للإنشاء[27]. قام ببناء برج الساعة بالتعاون مع زميله العثماني مهندس المركز بكر صدقي، والذي شارك أيضاً في إنشاء خارطة المدينة.
الأوامر المكتوبة  بشأن عزل رائف واستدعائه إلى العاصمة مؤرخة في 9 نيسان 1900 و22 آب على التوالي[28]. وكتب المؤرخ الغزي في حوادث تلك السنة أن الألسنة الشريرة حاولت تصوير بناء برج الساعة على أنه انتهاك للقانون الديني من جانب رائف باشا[29]. ومع ذلك، لا يبدو أنها كانت تهدف إلى "هدم" متعمد[30].
نظرًا لشكله الهرمي ودرابزينه المدهش، يشبه البرج بشكل غامض العديد من المنارات الفرنسية في تلك الفترة (مثل Vallauris 1899-1900)[31]. ارتفاعه (التقريبي) البالغ 28 م هو نموذجي لهذه المنشآت. وكان برج الساعة في جوروم بنفس الارتفاع.  الأمثلة الأطول هي في بورصة (33 م) وأبراج أصغر بكثير من تلك الفترة يمكن العثور عليها في جاناكالي (20 م) وكاستاموني (13 م)[32].
فيما يتعلق بالتفاصيل المعمارية، يقول لورنز كورن:
الحنيات الجانبية حول الباب هي تقليد لنهايات الأبواب العثمانية الكلاسيكية. (جامع السليمانية، البوابة الرئيسة، أو الجامع الأزرق[33]) وظهرت بالفعل في شكل مصغر مماثل في القرن التاسع عشر (جامع السلطانة الأم برتونهال بجانب قصر أكسراي وجامع الحميدية بجانب قصر يلدز).
لا أستطيع أن أقول الكثير عن تسلسل التشكيلات الجانبية تحت الشرفة. ربما يجب أن يطلق على صف الحنيات مع القلانس الصغيرة التي تغطيها وأنماط النجوم في الدرابزين فوقها اسم المماليك الجدد. قد تكون تغطية الحنيات مستوحاة من باب بغداد في الرقة[34]. لكن تركيزها على المحور المركزي يظهر تأثير فكر القرن التاسع عشر على المنشأ بأكمله. الطوابق مع الساعة "كلاسيكية" تماماً مع عناصر يمكن إرجاعها بحرية إلى العصور القديمة. يشبه السقف إلى حد ما خوذة شمسية، ولا أستطيع أن أقول ما الذي كان نموذجاً لها.[35]
قد يسلط البحث المستقبلي الضوء على السؤال المتعلق بأصل الساعة، والتي تُظهِر (التوقيت العربي) والتوقت الغربي على أقراص مختلفة. أفاد المراقبون المعاصرون أنه يمكن سماع صوت جرسها من مسافة تصل إلى ساعة (انظر الحاشية 28).  
 
نص الكتابة كما سجله أوليا مقتبس فقط بالأحرف العربية في النسخة المطبوعة اسطنبول 1935 مطبعة الدولة، مع تصحيح طفيف اعتماداً على "كشك بغداد".
بسم الله الرحمان الرحیم امر باانشإ هذالسبیل المعظم السلطان الاعظم والخاقان المعظم الافخام الاکرام ابوالمضفر سلطان سلیمان خان ابن سلیم خان ابن بایزید خان ابن ابو فتح غازی محمد خان خلدالله ملکه وسلطانه. 
برج الساعة، نافذة القسطل [مصدر الصورة: © 2010 لمياء الجاسر]
برج الساعة، الواجهة الشمالية [مصدر الصورة: © 2010 لمياء الجاسر]
برج الساعة، مشهد عام للبرج [مصدر الصورة: © 2006 لمياء الجاسر]
برج الساعة، مشهد عام [مصدر الصورة: © 1995 يوليا غونيللا]
برج الساعة، نقش كتابي [مصدر الصورة: © 2011 عصام حجار]
برج الساعة، المدخل [مصدر الصورة: © عصام بللوز]
[مصدر الصورة: © عصام بللوز]
[مصدر الصورة: © فولف-ديتر لمكي]
[مصدر الصورة: © فولف-ديتر لمكي]
[مصدر الصورة: © فولف-ديتر لمكي]
[مصدر الصورة: © فولف-ديتر لمكي]
[مصدر الصورة: © فولف-ديتر لمكي]
[مصدر الصورة: © فولف-ديتر لمكي]
[مصدر الصورة: © فولف-ديتر لمكي]
برج الساعة، مشهد عام للبرج [مصدر الصورة: © 2007 شتيفان فيبر]
برج الساعة، المدخل [مصدر الصورة: © 1997 جان-كلود دافيد]