تاريخ المبنى وراعيه

أشاد المؤرخون بالجامع المعروف باسم جامع الرومي [1] بفضل مئذنته الأسطوانية وزخارفه الرخامية،[2] والتي بقيت أجزاء منها حتى اليوم ولا تزال تعطي انطباعاً عن فخامة الزخرفة في العصر المملوكي.

يمكن تحديد تاريخ بناء الجامع من خلال النقوش والمصادر المكتوبة. ومع ذلك، فإنها تعطينا تواريخ متناقضة. علاوة على ذلك، فقد تغيرت عمارة الجامع بشكل كبير بمرور الزمن.

تم بناء الجامع بتكليف من الراعي المشار إليه في نقش على البوابة باسم سيف الدين أبو عبد الرحيم منكلي بُغا الأشرفي (الشكل 1)[3]. تذكر ثلاثة نقوش أخرى على قاعدة المئذنة اسم منكلي بُغا الشمسي (الشكل 2)[4]، ولهذا السبب فالجامع يعرف أيضاً باسم جامع منكلي بُغا [5] أو جامع منكلي بُغا الشمسي [6].

يذكر النقش الموجود على البوابة أيضاً أن منكلي بُغا كان حاكماً لحلب عندما قام بتأسيس الجامع. علاوة على ذلك، فإنه يخلّد ذكرى انتصاره على الفرنجة في آياس (لايازو، يومورتاليك) في جنوب تركيا، في الأول من صفر 769 / 27 أيلول 1367 [7] وأنه كان آنذاك أتابكاً للجيوش المنتصرة للأقاليم المصرية [8]، وهو ما كان عليه الحال بعد عام 769 / 1367-1368 [9]. بسبب مناصبه كحاكم لحلب وأتابك العساكر، يمكن اعتبار منكلي بُغا الشمسي أميراً ناجحاً جداً وبالتالي عضواً في أعلى طبقة في المجتمع المملوكي. وقد جلب له ذلك ثروة كبيرة لبناء الجامع والمباني الأخرى في سوريا [10].

تعطي المصادر المكتوبة تواريخ مختلفة لبناء الجامع: يذكر ابن تغري بردي أن الجامع انتهى عام 764 / 1362-63.[11]

يتوافق هذا التاريخ مع فترة ولاية منكلي بُغا الشمسي الأولى كحاكم لحلب من شوال 762 / 4 آب - 1 أيلول 1361- رمضان 764 / 14 حزيران - 13 تموز - 1363 [12]
في المقابل، يقول ابن العجمي أن البناء بدأ في عام 767 / 1365-66 [13] وانتهى العمل في عام 768 / 1366-67،[14] وأن الجامع قد أنشئ في الولاية الثانية لمنكلي بُغا الشمسي [15]، أي بين صفر 768 / 7 تشرين الأول – 4 تشرين الثاني 1366 – 769 / 1376-77 [16]. ويذكر ابن الشحنة بدوره أن الجامع شُيِّد عام 778 / 1376-1377 [17].

بتجميع هذه المعلومات المختلفة معاً، يمكن للمرء أن يسجل أن منكلي بُغا الشمسي قد بنى الجامع بعد انتصاره على الفرنجة عام 769/ 1367 في ولايته الثانية في حلب (صفر 768 / 7 تشرين الأول – 4 تشرين الثاني 1366- 769 / 1367) واستمر في القيام بذلك في فترة ولايته بصفته أتابك العساكر (فقط بعد 769 / 1367-1368)[18]. وبالتالي، يمكن افتراض تاريخ الإنشاء في أواخر عام 1360 / بداية عام 1370 [19]. ولسبب ما، فإن التاريخ عند ابن الشحنة يختلف كثيراً عن معظم المصادر المكتوبة والنقوش [20].

تم تسجيل العديد من أعمال البناء الأخرى في هذا الجامع في المصادر المكتوبة والنقوش المملوكية والفترات التالية (راجع وصف المبنى).

الحواشي

[1]

في المصادر المملوكية، يُشار إلى الجامع عموماً باسم راعيه (ابن العجمي، كنوز الذهب، المجلد الثاني، 241؛ سوفاجيه 1950، 39). يذكر عبد الرازق أن اسم الرومي ظهر فقط في المصادر العثمانية المتأخرة، وبشكل أكثر تحديداً من نهاية القرن التاسع عشر / بداية القرن العشرين (راجع عبد الرازق 2016، 135). يقترح عبد الرازق أن الاسم يتعلق بحقيقة أن الحلبيين في الحقبة العثمانية أطلقوا على السمات المعمارية العثمانية مثل القباب المغطاة بالرصاص والمآذن "الرومي" لأنها لم تكن مألوفة لهم. بما أن مئذنة الجامع فريدة من نوعها في حلب (راجع أدناه)، يقول عبد الرازق إن الجامع كان يسمى بهذه الطريقة (عبد الرازق 2016، 135).

[2]

ابن العجمي، كنوز الدهب، المجلد الثاني، 241؛ سوفاجيه 1950، 40.

[3]

الطبّاخ 1923-1926، المجلد الثاني، 444؛ هرتزفيلد 1954-1956، 344 رقم 190، RCEA 769006

[4]

الطبّاخ 1923-1926، المجلد الثاني، 445؛ هرتزفيلد 1954-1956، 344 رقم 191، RCEA 769007

[5]

هرتزفيلد 1954-1956، 344-345.

[6]

راجع ماينيكة 1992، المجلد الثاني، 236 رقم 21/9؛ 368 رقم 35/47؛ 379 رقم 37/8؛ 398 رقم 42/14.

[7]

هرتزفيلد 1954-1956، 344 رقم 190، RCEA 769006، راجع أيضاً فرانكل 2011، 110.

[8]

هرتزفيلد 1954-1956، 344 رقم 190

[9]

راجع هرتزفيلد 1954-1956؛ مسعود 2007، 17 حاشية 19؛ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة، المجلد 6، 131 رقم 2345.

[10]

تم تسجيل العديد من أنشطة البناء الأخرى لمنكلي بُغا الشمسي في سوريا. تم تسجيل مدرسة بها ضريح في القدس، مؤرخة بنقش جنائزي يعود إلى 782/ 1380 (هرتزفيلد 1954-1956 ، 345 ؛ بورغوين 1987 ، 443-455 ؛ ماينيكة 1992، المجلد الثاني، 262 رقم 23/14). وبينما ينسب هرتزفيلد هذا الضريح لمنكلي بُغا الشمسي، يشير بورغوين إلى أن النقش المؤرخ يذكر اسم منكلي بُغا الأحمدي، الذي يبدو أنه قد تم الخلط بينه وبين الذي بنى الجامع في حلب (راجع بورغوين 1987، 446). يعزو ماينيكة نظام مياه للقاعة في قصر العزيز محمد بقلعة حلب (769/ 1367؛ ماينيكة 1992، المجلد الثاني، 244 رقم 22/33) ومدرسة دمشق الراشدية ( 768/ 1366-67؛ ماينيكة 1992، المجلد الثاني، 243 رقم 22/27).

[11]

ابن تغري بردي، النجوم، المجلد 11، 46؛ راجع ماينيكة 1992، المجلد الثاني، 236 رقم 21/9. استناداً إلى ابن تغري بردي، يفترض ماينيكة أن الواجهة الخارجية للجامع قد اكتملت عام 764 / 1362-1363 وأن تأثيث الجامع وتشطيبه استمر عدة سنوات، لأن نقش المبنى أعلى المدخل الرئيس يشير إلى الأول من صفر 769 / 27 أيلول 1367.

[12]

ماينيكة 1992، المجلد الثاني، 236 رقم 21/9. راجع هرتزفيلد 1954-1956، 345 وعبد الرازق 2016، 136 اللذان أعطيا 763/ 1362 كتاريخ لبداية ولاية منكلي بُغا الشمسي (راجع ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة، المجلد السادس، 131 رقم 2345).

[13]

راجع لهذا التاريخ أيضاً الغزّي 1903، المجلد الثاني، 110 والطبّاخ 1923-1926، المجلد الثاني، 444 الذي قرأ التاريخ في النقش على أنه 767 وليس 769 (راجع أيضاً سوفاجيه 1933، 68 حاشية 2). راجع عبد الرازق 2016، 136-137، والذي قدم حجّة أخرى ضد قراءة 767 بذكر أن منكلي بُغا كان حاكماً لدمشق في 764-768 / 1363-1366.

[14]

ابن العجمي، كنوز الذهب، المجلد الثاني، 243؛ سوفاجيه 1950، 41.

[15]

ابن العجمي، كنوز الذهب، المجلد الثاني، 241؛ سوفاجيه 1950، 40.

[16]

ماينيكة 1992، المجلد الثاني، 236 رقم 21/9؛ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة، المجلد 6، 131 رقم 2345.

[17]

ابن الشحنة، الدرّ 61/334؛ سوفاجيه 1933، 68؛ راجع الغزّي 1903، المجلد الثاني، 109، والطبّاخ 1923-1926، المجلد الثاني 444؛ راجع هرتزفيلد 1954-1956، 345.

[18]

راجع هرتزفيلد 1954-1956، 345؛ مسعود 2007، 17 حاشية 19؛ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة، المجلد 6، 131 رقم 2345.

[19]

راجع هرتزفيلد 195-1956، 344 رقم 190؛ عبد الرازق 2016، 137.

[20]

راجع عبد الرازق 2016، 137.