التنمية في الوقت المناسب ووقف الجامع

[مصدر الصورة: © 2005 فولفغانغ ماير ]

إن مبنى المدرسة كما هو اليوم، هو نتيجة لعملية إعادة الإعمار والترميم التي استمرت لقرون طويلة. يشهد نقش أعلى المدخل الرئيس لقاعة الصلاة على ترميمه في عام 1091/ 1680، ويذكر السلطان الحاكم آنذاك وهو محمد الرابع.[1].

لا يقدم هذا النقش أية تفاصيل عن طبيعة هذا التجديد، ولكنه يذكر السلطان. وكذلك إن عدم وجود وثائق في سجلات المحكمة المحلية، يشير إلى أن أوقاف المدرسة قد وضعت تحت السيطرة الإمبراطورية، مثل أوقاف السلاطين وغيرهم من كبار الشخصيات.

يُعد وقف المدرسة الحلوية من بين أكبر الأوقاف وأكثرها أهمية في حلب. يعرض المؤرخ الغزّي في وصفه للمدرسة تفاصيل كل مبنى أو كل قطعة أرض في حوزة الوقف مع مواقعها الدقيقة، وهي قائمة يمكن أن تكون كتاباً خاصاً بحد ذاته [2].

سمحت هذه الملكية الغنية جداً، والتي أوقِف معظمها من قبل نور الدين الزنكي نفسه، للمدرسة بتوظيف أشهر أساتذة المذهب الحنفي الموجودين في ذلك الوقت. توجد عقارات الوقف في جميع أنحاء المدينة تقريباً والمناطق المحيطة بها. ومع ذلك، يمكننا تحديد منطقتين في المدينة مع تركيز واضح للممتلكات الموقوفة: منطقة السوق المركزي والضاحية الشمالية خارج باب النصر. كانت منطقة السوق المركزي، وخاصة الأسواق والقيساريّات، إحدى المناطق التي تزايدت فيها أنشطة البناء خلال فترة نور الدين. كان هدفه هو إعادة بناء مدن بلاد الشام بعد قرون من التراجع، والنتيجة هي ما يسمى النهضة الحضرية للمدن السورية [3].

يقع الجزء الثاني "الضخم" من ممتلكات الوقف في الجزء الشمالي الغربي من الضاحية الشمالية والمنطقة غير المبنية الواقعة غربها. يذكر الغزّي أن الأرض التي بنيت عليها جميع المنازل والمساجد والكنائس وغيرها هي ملك للمدرسة. ويقول أيضاً أن كل هذه الممتلكات في عصره (حوالي عام 1900) تعود إلى ملاك آخرين، ولم يترك للأوقاف سوى الأرض. عند رصد ممتلكات الوقف على مدى فترة طويلة، نلاحظ أن العودة التدريجية للمنشآت إلى الملكية الخاصة أمرٌ لا مفر منه تقريباً، وذلك عندما يتطلب التدهور العادي لحالة البناء أعمال ترميم لا تستطيع مؤسسة الوقف تمويلها. في هذه الحالة، يمكن للأفراد، وغالباً ما يكونون مستأجرين للمبنى، الاستثمار فيه والحصول على حقوق ملكية أجزاء من المنشأة، أو حتى المبنى بالكامل. مع مرور الوقت، يظل الوقف مالكاً الأرض بمفرده ويجمع "إيجار الأرض" (الحِكْر) والذي تكون قيمته عادةً منخفضة نوعاً ما.

لاحظ الرحّالة الأندلسي ابن جبير، والذي زار حلب في 1180، جانباً مثيراً للإهتمام في الممتلكات في منطقة السوق المركزية. يذكر أن أسطح جميع المتاجر في الأسواق حول المسجد الأموي كانت مصنوعة من الخشب [4]. قد يفسر هذا السبب وراء فقدان الأوقاف للمحلات بسرعة وبقاء الأرض فقط. فقد كان الهيكل الخشبي أكثر عرضة للتلف من الحجر.

فيما يتعلق بالممتلكات في الضاحية الشمالية الغربية: هذه القطعة الكبيرة من الأرض المجاورة لمدينة مهمة مثل حلب لم يكن بها عادةً مالكٌ واحد فقط. هناك سؤال مهم - لكن لم تتم الإجابة عليه حتى الآن - هو كيف امتلك نور الدين هذه الأرض وكيف كان قادراً على وقفها. قد نخمِّن فقط، ولكن لدينا بعض الأدلة على الأقل: لقد كانت هناك أجزاء من المنطقة مبنية فعلاً، مثل حي الهزّازة الذي كان موجوداً بالفعل في القرن الثالث عشر [5].

يمكن إرجاع الكنائس في حي الجديدة على الأرجح إلى الأديرة منذ العصور القديمة المتأخرة (راجع الجديدة). فهل كان هناك ارتباط وثيق بين هذه الأديرة والكاتدرائية القديمة، وهل كانت الأرض جزءاً من وقف الكاتدرائية؟

بحلول القرن التاسع عشر، لم تعد إيرادات أوقاف المدرسة كافية لإستمرار أعمالها، وبالتالي فقد أصاب الخراب مبناها تدريجيّاً. ثم في نهاية القرن، أصبحت الأرض استثماراً مربحاً مرة أخرى. كان الوقف قادراً على استئجارها، قطعة أرض بعد أخرى، لبناء أحياء جديدة خارج السور (أجزاء من العزيزية والتلل). وبفضل هذا الدخل الجديد، قام مسؤولو الوقف بتجديد المدرسة وإنشاء 11 وقفية جديدة بين 1313/ 1895 و 1337/ 1918 لمنفعتها. فأصبحت مرة أخرى واحدة من أكثر المؤسسات الدينية ازدهاراً في حلب [6].

الحواشي

[1]  هرتزفيلد، مواد، 2: 220-221.
[2] الغزّي، نهر، 2: 173.
[3] للاطلاع على دور الأوقاف الدينية في نهضة المدن في القرن الثاني عشر في سوريا، انظر هايدمان "التقوى والإحسان".
[4] ابن جبير، رحلة، 354.
[5] غاوبة، فيرت، حلب، 100-101.
[6] الغزّي، نهر، 2: 175-176. كنوست، "التحضر".